لا شيء في إيران يمكن أن يدعوك لكراهيتها، أرضها مكسرات، مياهها كافيار، فكل ما فيها جميل وفاتن، إنها من أجمل بلدان الدنيا، ولو أن البلدان نساء لكانت إيران من أجمل نساء الدنيا، لكن رائحة فمها قبيحة جدا، سوس الإسلام السياسي (ولاية الفقيه) أكلت أسنانها ودمرت لثتها، فما إن تحاول الكلام حتى تخرج رائحة العفن، فيتأملها المعجبون بجمالها الفارسي من بعيد خوف رائحة الفم المقرفة، وقد أنهكها مرض فمها النازف، وقد تحول إلى سرطان في كامل جسدها، فترى في عين كل إيراني شقاء اللحظة وشظف العيش، فيواسيه الملالي بحكايا كربلاء والصبر على الابتلاء.

إيران تستحق الرفاه اللائق بتاريخها العريق، وتستحق من النفوذ السياسي الأنيق أكثر من هذا، فما تريده من تقدير لها بتصدير الثورة، قد تصل إليه بروح الشرق التي جمعتنا مع باكستان والهند وأذربيجان... إلخ، مع احترام كامل للفضاء العربي الجيوإستراتيجي عموما والخليجي خصوصا.

ما يدركه كل عارف بالإسلام السياسي الذي لا يختلف، سواء خرج من فم حزب النهضة السني في تونس أو حزب الدعوة الشيعي في العراق، أن سيد قطب وحسن البنا هما جرثومة ولاية الفقيه التي اهتدى لها الخميني بوجهها السياسي، واهتدى لها ابن لادن بوجهها العسكري، لتكون إيران الحضارة، مطية لعمامة التخلف القروسطي السوداء، وتكون دولة أفغانستان التي شاركت بثالث رائد فضاء مسلم مجرد مغارات للاختباء على يد القاعدة.

الفرق البنيوي بين الخميني وابن لادن، أن الأول حكحك لعبته الفقهية قرابة خمسين عاما قبل أن ينفذها، أما الثاني فتورط بمعناها الشرعي قبل أن يعي أبعادها، وعلى آثار المشروع الإخواني سار الخميني في تأصيل ولاية الفقيه في البنية الفكرية الشيعية، وأي كتاب يتحدث عن ولاية الفقيه سنجد فيه حديثا طويلا عن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يشبه كل استئناف نجده في كتب الإسلام السياسي، فهو أول مداخل الثعالب على عقول الدهماء في الهيمنة والتهييج.

لن أتحدث عن إيران، فإيران عظيمة قبل أن يولد الخميني، وبخلاصها من الملالي ستصبح أغنى وأقوى، ولن أتحدث عن الإسلام السني، فمليار مسلم ضمان وجود أبدي، لكني سأتحدث عن نغمة يصطنعها الإسلام السياسي تحت ما يسمى (التجديد الإسلامي)، وهذا التجديد له وجهان، فوجه يتحدث عن استيعاب الفرد مفاهيم العصر الحديث، وفق عقلانية حديثة لا تتصادم مع واقعها، وهذا مطلوب ومحمود، أما التجديد الإسلامي وفق (مفهوم الجماعة) والحديث عن إنتاج إسلام شمولي، لكنه يتمتع بمرونة أكثر عبر تخريجات (الإسلام كامل وليس شامل) وعند التطبيق العملي، فيمكن أن تتحول الشمولية إلى واقع عبر مسائل النية المفتوحة على كل عمل دنيوي، لنكتشف لعبة (العلمانية الجزئية)، بينما الأمر لا يستحق كل هذا العناء التفكيكي للحفاظ على حقيقة النوايا الحزبية، وهي ضمان إنتاج (جماعة إسلامية) وسط (مجتمع مسلم)، أو بقول آخر، إعادة تفسير المنهج الإخواني فكأنما هو خلاف بين تروتسكي وستالين على طريقة العمل الأممي من خلال إعادة إنتاج قراءات جديدة لماركس ولينين.

اللعبة السياسية يمكن ممارستها تحت أي غطاء، إلا بالغطاء الديني الذي تعرى في داعش والحشد الشعبي، وإعادة إنتاجه بشكل متذاكٍ سيعيدنا لنفس المربع الاستقطابي ما بين مسلمين طبيعيين (سنة وشيعة) وما بين إسلاميين مؤدلجين في حزب واحد (قد يقاتلون ما عداهم ولو من نفس مذهبهم).

التحرر من الإسلام السياسي مشوار طويل من القراءة والتأمل لمن أراد (تحرير عقله)، فالإسلام السياسي لا يتحرك في فضاء (الفردانية المستقلة والعقل الحر)، بل يتحرك في فضاء (العمل الشمولي، والأيديولوجيا الجامعة) مهما تزيا بالديمقراطية والمرونة.

أيها الجيل الشاب من الشيعة والسنة، احذروا الإسلام السياسي تحت أي لون وبأي نكهة، الإسلام السياسي يستطيع أن يكون علمانيا في سبيل البقاء، يستطيع أن يظهر بعمامة ومسبحة، ويلبس ربطة العنق إن لزم الأمر، يستطيع أن يكون الشيء ونقيضه في سبيل السياسة، أفكاره مزيج من البراجماتية والميكافللية مغطاة بتخريجات لا تنتهي من الآيات والأحاديث، وهنا مكمن الخلاف، (استخدام المقدس فيما هو قابل للدنس).

كونوا مسلمين طبيعيين، وتخرجوا في أفضل جامعات الدنيا، وشاركوا في نهضة بلدكم بالرأي والعمل البناء، كونوا أحرارا من العمل الحزبي الذي يقتل ملكة الإبداع مقابل وهم الفاعلية، والفاعلية لا تكون بوجهين أحدهما للحزب والآخر للوطن، الفاعلية الصلبة تكون بوجه واحد للوطن، ودهاء السياسة ذو الأوجه المتعددة لخارج الوطن وليس لداخله.

لو عرف مخرجو أفلام الرعب في العالم: أن هناك منظرا لو استوعبه الناس تاريخيا وسياسيا لرأوا فيه أشد المشاهد رعبا في العالم، وهو أن تصور الكاميرا رجل دين يلتقي طفلا فيمر بيده يمسح بها على رأس هذا الطفل، ثم يمسك بيده ويأخذه للبعيد، كم من (راسبوتين) يملأ الأرض؟ وكم من عقول مسحتها يد الراسبوتيين؟.