من الدراسات المهمة (والممتعة أيضا) في المجال الإعلامي، دراسات الجماهير، وفيها يتطرق الباحث أو الباحثة إلى تلقّي الجماهير للمحتوى الإعلامي، وينظر لكيفية فهمهم له، ومستوى توافقهم، ورفضهم محتواه، وما إذا كانت تجمعهم أي صفات مشتركة بين ناحية العمر أو التعليم، أو المكانة الاجتماعية والاقتصادية. وقد حظي -على سبيل المثال لا الحصر- المسلسل الأمريكي «فريندز» بجماهيرية عالية، عالمياً ومحلياً في السياق العربي والسعودي. يعد هذا المسلسل من الحالات التي تمت دراسة جماهير مختلفة، وأنماط استهلاكهم لهذا المسلسل في التحديد. فهناك باحثون تطرقوا لجماهير الهند المتابعين لمسلسل «فريندز»، وباحثون آخرون تطرقوا للمتابعين الصينيين لهذا المسلسل، وكلٌّ وصل لمعطياته الخاصة به. نفتقر في السياق السعودي إلى مثل هذه الدراسات، خصوصا مع الشعبية المتزايدة للمسلسلات المستوردة، ليس من أميركا فحسب، ولكن حتى من كوريا الجنوبية وغيرها.

من خلال حديثي مع صديقات وأصدقاء مهتمين بمسلسل «فريندز» -معظمهم من الشباب الذي يجيد اللغة الإنجليزية- وجدت إعجابا كبيرا من قبلهم بالمسلسل، ورغبة في المحتوى المحلّي السعودي الذي يجاريه في الطرح ومستوى الإنتاج، ولكن في الوقت نفسه انتقدوا بعض محتويات المسلسل، مثل المبالغة في المشاهد التي تتضمن لقطات جنسية. وانتقد بعضهم جوانب اجتماعية مثل الوحدانية أو الفردانية التي لوحظت لدى أبطال المسلسل، مشيرين إلى أن كثيرا من جوانب المسلسل التي استمتعوا بمشاهدتها لا يرونها تنطبق على حيواتهم الواقعية. مثل ردود الفعل هذه يمكن توظيفها لعمل بحث منهجي على الجماهير السعودية لهذا المسلسل والتقائهم فرادى وجماعات، عبر منهجيّ Focus groups and interviews، بشكل كيفي، للتوصل لنتائج أكثر عمقا وتفصيلا. من المفيد جدا عدم تجاهل أنماط استهلاك المحتويات الإعلامية، لأن أبحاثا حول هذا الموضوع تفيدنا عند تشكيل صناعتنا الإعلامية الخاصة بنا، بشكل يتواكب مع السوق المحلّي الجماهيري.

ورغم أنه من المبكر جدا إصدار حكم على جماهير مسلسل «فريندز» السعوديين والسعوديات، ودون دراسة مستفيضة وحديث مطول معهم لا يمكن استنتاج أي أمر، ولكن قد يكون من الممكن الآن القول إن جماهير مسلسل «فريندز» السعوديين كانوا ناقدين في تعاطيهم مع المسلسل، ولم يتلقوه بشكل تغييبي passive consumption. بل كانت قراءتهم له مثل قراءتهم لمسلسلات أخرى مستوردة من الخارج، واعية، يستمتعون بها ولكن بشكل واع بالفروقات السياقية بينهم وبين أبطال المسلسل. متأكدة أن بحثا مستفيضا من هذا النوع على جماهير «فريندز» السعوديين، سيكشف تفاصيل أكثر عن مدى إذا كان المسلسل أكثر رواجا بين النساء أو بين الرجال؟ وعما إذا كان له إقبال بين الآباء والأمهات؟ وما إذا كان لهذا المسلسل رواج أكبر بين طبقة اجتماعية معينة دون غيرها.