الدوافع فطرية غريزية بيولوجية وراثية تولد مع الإنسان ولا يتعلمها، ومثيراته فطرية أيضا تؤمن استمرار الحياة من الزاوية الفيزيولوجية والعضوية، وأخرى مكتسبة يتعلمها بالخبرة أثناء ممارسة حياته تحاول أن تؤمن ظروف الحياة ومقتضياتها. موضوع الدوافع من المواضيع التي حازت على قدر مهم من اهتمام العلماء والمفكرين في الحقل الإنساني، خاصة السلوكي منه. فبالإضافة إلى توجيه هذه الدراسات في خدمة فهي أيضا تكتشف أفضل الطرق للتأمل مع الإنسان بناء على دوافعه البيولوجية الفطرية والمكتسبة، وهكذا يمكن توجيه سلوك هذا الإنسان أو بعضه لمصلحة ما.. فمثلا يمكن بدراسة دوافع الشراء لطبقة معينة من الناس توجيه بضائع معينة لاستهوائهم، بل توجيه دوافعهم إلى منتج معين، ويتعدى الأمر إلى دراسة دوافع التمثل والسلوك لبث أفكار وسلوكيات معينة تخدم أصحابها.

الحفاظ على الحياة والسلامة دافع غريزي بيولوجي طبيعي عند الإنسان والحيوان، بل حتى الحشرات، فكل حي يسعى بفكره أو غريزته لإشباع متطلبات الحياة الأساسية لاستمرارها، وهذا ما تعززه دوافع التنفس والعطش والجوع والنوم والجنس وغيرها، لتأمين الماء والغذاء والراحة والتكاثر لإبقاء النوع، كما يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن كل ما يهدد بقاءه، ويبتعد عن مصادر الخطر للمحافظة على سلامة حياته. فما إن تتعرض الحياة لخطر محدق حتى تثار عنده رغبة الابتعاد عن هذا الخطر، وفورا دون تفكير حتى وإن كانت ردة الفعل هذه غبية أحيانا، تجده مبتعدا وبسرعة هائلة عن مصدر هذا الخطر المحدق، وقد تكون للمواجهة المباشرة نتيجة أفضل..! بل وبتناقض واضح أحيانا قد يحاول دفع الموت بالموت، فيقدم للمواجهة المباشرة مع الخطر وحياته في المقدمة مهددة في نية منه للحفاظ عليها..!

إشباع هذه الغرائز بالحد المقبول يحافظ على ضمان ما لبقاء وسلامة الحياة وأي خلل فيها، أو أحدها قد ينهي حياته. غريزة البقاء على الحياة تقع في أعلى سلم الغرائز لمتطلبات الإنسان في الحفاظ على وجوده، والعجيب أن يليها مباشرة غريزة الجنس متقدما على غريزة الجوع..! قوة تأثير الدوافع تختلف، فتأثير دافع البقاء أقوى من تأثير دافع الطعام، مثلا إذا ما طارد نمر غزالة فدافع بقاء الحياة عند الغزالة وتأثيره الأقوى فيجعلها أكثر سرعة من النمر الذي يتلقى دافع الحصول على الطعام، رغم أن سرعة النمر في الحالة الطبيعية أسرع منه عند الغزالة.

الدوافع الإنسانية كثيرة ومتعددة ومنها ما يتعلق بالحياة الاجتماعية والعلمية والاقتصادية، فهناك دافع الأمومة ودافع النوع أو دافع الدفاع، أو دافع الانتماء ودافع السيطرة، ودافع التملك ودافع التفوق، ودافع الكسب ودافع الغنى، ودافع المعرفة ودافع الاكتشاف، ودافع الشراء ودافع التميز ووو...، هذه الدوافع بمجموعها أو أحدها، تؤثر تأثيرا مباشرا في سلوك الإنسان اليومي والاجتماعي، فتعتبر بمثابة المحرك الأهم للوصول إلى الغايات والأهداف، وبذات الوقت تعطي مؤشرا على تفاعل الإنسان مع مجتمعه بأي اتجاه ينحو، وأهم من ذلك فهي توجه السلوك البشري وتؤطره على مسرح الحياة العامة، بل هي من تحدد شكل حياة هذا الإنسان ونوعيتها وكيفيتها..! تداخل الحاجة والتي تتغير مع تغير الاحتياجات وتطور المجتمعات، والدافع أحيانا أو ارتباطهما ببعضهما، يكون أولا لإشباع الحاجة الأساسية والضرورية للبقاء، ولكن قد يتعدى ذلك فيما بعد، ليكون طريقا لاكتشاف طرق أخرى تغني الحاجة وتنقلها من حال إلى حال أجمل. كما قالوا الحاجة أم الاختراع. فبالبحث عن إشباع حاجة معينة قد يستهدي الإنسان إلى معارف جديدة ومكتسبات جديدة ترفع من شأنه.