ربيع الأول شهر يحمل في طياته كثيرا من الذكريات والمناسبات الدينية والدنيوية، ولعل أرجأ مناسبة دينية فيه هي ذكرى مولد سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم، يذكر الإمام ابن الحاج، من علماء القرن الثامن الهجري، في الجزء الثالث من كتابه (المدخل)، (صفحة 221)، والإمام ابن ناصر الدين الدمشقي، من علماء القرن التاسع، في الجزء السادس من كتابه (جامع الآثار في السير ومولد المختار): (صفحة481) «أن سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، سمع بعد موته صلى الله عليه وسلم، يبكي ويقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبرا لتسمعهم، فحن الجذع لفراقك، حتى جعلت يدك عليه فسكن، فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتهم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن جعل طاعتك طاعته فقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بالذنب فقال: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن بعثك آخر الأنبياء وذكرك في أولهم فقال: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم}، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد بلغ من فضيلتك عنده أن أهل النار يودون أن يكونوا قد أطاعوك وهم بين أطباقها يعذبون {يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا}، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان موسى بن عمران أعطاه الله حجرا تنفجر منه الأنهار فماذا بأعجب من أصابعك حين نبع منها الماء، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان سليمان بن داود أعطاه الله الريح غدوها شهرٌ ورواحها شهرٌ فماذا بأعجب من البراق حين سريت عليه إلى السماء السابعة ثم صليت الصبح من ليلتك بالأبطح، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لئن كان عيسى بن مريم أعطاه الله إحياء الموتى فماذا بأعجب من الشاة المسمومة حين كلمتك وهي مشويةٌ فقالت لك الذراع لا تأكلني فإني مسمومةٌ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا}، ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا، فلقد وطىء ظهرك وأدمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا، فقلت «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد اتبعك في قلة سنك وقصر عمرك ما لم يتبع نوحا في كثرة سنه وطول عمره، ولقد آمن بك الكثير وما آمن معه إلا القليل، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لو لم تجالس إلا كفؤا لك ما جالستنا، ولو لم تنكح إلا كفؤا لك ما نكحت إلينا، ولو لم تؤاكل إلا كفؤا لك ما واكلتنا، فلقد والله جالستنا، ونكحت إلينا، وواكلتنا، ولبست الصوف، وركبت الحمار، وأردفت خلفك، ووضعت طعامك على الأرض ولعقت أصابعك تواضعا منك»..

أختم بالاعتراف بأني لم أجرؤ على الاختصار من النقل المؤثر، أردت بذلك التأكيد على الدعوة للبحث عما يقرب الناس من سيرة سيدهم، صلى الله عليه وسلم، في كل وقت وحين، وفي شهر ربيع الأول بالخصوص، مؤكدا في هذا الصدد على ضرورة عدم جعل هذه الدعوة محلا للحكم على بواطن الناس، والشق عن قلوبهم.