يكتظ مشهدنا الثقافي خاصة الإبداعي منه في السنوات الأخيرة بعدد لا بأس به من الكتّاب الشباب الذين وضعوا أسماءهم في قائمة الإنتاج مشكلين ظاهرة في الاشتغال بالكتابة السردية بدليل ما تحفل به رفوف المكتبات وما تتزاحم على استقباله دور النشر الداخلية والخارجية من إصدارات حتى ظننا أن جيلا كاملا من الأدباء أطل علينا بعد أن كنّا في الثمانينات والتسعينات نتابع نفرا قليلا ونتحرى نتاجهم والغبطة تملؤنا وأحيانا الغيرة إذ توافرت لهم الموهبة دون غيرهم.

اليوم الجميع أدباء وكتاب الرواية أكثر من "الهمِّ على القلب" كما يقال ناهيك عن تلك الخاصية المتفردة في معارض الكتب إذ تقام مراسم توقيع لروايات ودواوين من لا يزال في خطواته الأولى والتي لا تخلو من عثرات تقيلها تلكم المراسم ويلمعها الإعلام مرئيه ومقروؤه.

أعجب حقا أن أجد أعمالا سعودية راهنة دون المستوى بل ولا تفي العمل الأدبي شروطه وتقنياته ثم تتصدى لها دور نشر مشهورة ولا أقول شهيرة وتسابق الزمن لتطبعها ثم تسوقها في أقرب معرض دولي للكتاب، وأتساءل: كيف تغامر تلكم الدور بسمعتها وأصالتها ومهنيتها ثم تطبع ما يجعلنا نقول بكل ثقة إنه مجرد تسويد للصفحات دون أدنى قيمة أدبية أو نفاذية إبداعية ؟ ويبدو أن وراء الأكمة ما وراءها وأن المسألة لا تعدو كونها تسويقا موجها ورعاية محدودة لأولئك الكتبة المبتدئين زعما منهم (ملاك الدور) أن مجتمعنا لا يقرأ إلا نفسه وهذا إسقاط لا نقبله وتهمة مغلفة لا تلبث أن تتكشف.

بالأمس مررت على أكثر من عمل أدبي روائي يمثل بواكير الكتابة وللحق فقد كانت في حلل طباعية جميلة لكني لم أستغرق وقتا طويلا حتى ألقيت جلها فيما أسميه بـ"سحارة النسيان" فلا تعدو – وهذا رأي خاص – أن كانت مجرد خواطر وتهويمات وتدوينات لا تعتمد على نهج كتابي ولا تقانة معروفة وهذا ليس ذنب مؤلفيها الشباب وإن كانوا يتحملون شيئا من التبعة لأنهم لم يكلفوا أنفسهم الالتزام بشرطين رئيسين قبل التصدي للكتابة الإبداعية أولهما القراءة الجادة لعيون الفن من الروايات والقصص والدواوين الشعرية والإكثار في ذلك ليتشكل الأسلوب وينمو، وآخرهما التدرب على تقنيات الكتابة وممارستها وعرضها على المتخصصين من النقاد والأكاديميين الذين أفنوا زهرات العمر في الدرس والبحث والتحصيل.

غير أن هذا لا يعني أن كتابا من الشباب كانت إصداراتهم الأولى ذات قيمة إبداعية وفنية ملموسة على الرغم من حداثة التجربة ولكن ذا الموهبة يعلم في قرارة نفسه- إن صدقها- أنه وضع قدميه على طريق طويلة وشاقة هو في أمس الحاجة إلى دربة وانغماس قرائي ليتجاوز ويحوز قصب السبق ومرتبة التفرّد.