هناك من يرى أن عبارة "الخير يعم والشر يخص" هي الأكثر صحة، وقبولا في الاستخدام اليومي، وآخرون يرون عكس ذلك،أن "الخير يخص والشر يعم" هي السائدة في كثير من المواقف، وكل له فلسفته في توظيف هذه العبارة في سياق حياتنا اليومية، وما يهمنا هنا هو التوظيف الأمثل لها بعيدا عن التجني، أو الاستخدام غير الصحيح، أو غير المناسب لها، فعندما يتم استخدام عبارة "الخير يخص والشر يعم" يكون هناك تعميم للجوانب السلبية على الأكثرية، أو تغليب لجانب الشر على نسبة كبيرة من أفراد المجتمع مقابل سوء تصرف، أو سلوك من شخص معين في هذا المجتمع، أما الأفعال الجيدة، أو الإيجابية، أو جوانب الخير التي هي الأساس فتكون محدودة، أو مقصورة على البعض فقط، ومخصصة لفئة معينة، وهذا قد يكون فيه من الظلم، ومن الجور الشيء الكثير خاصة عندما يتم تعميم الشر، أو التقصير، أو الإهمال، ثم محاسبة الجميع، أو الكل على سلبيات، أو إهمال البعض؛ فمن السهل جدا أن نعاقب الجميع، ونظلمهم بدلا من أن نكافئ المجتهد منهم، ونسانده، وهنا أرى أنه لا بد أن نميز بين العقاب الفردي، والعقاب الجماعي فتتم محاسبة بل معاقبة المخطئ وحده، ولا تتم معاقبة المحسن، والمخطئ معا، وفي آن واحد.

عندما ننظر في كيفية سير الأمور في العديد من المؤسسات الاجتماعية، أو الإدارية، ونعمل على تقييمها لا بد أن ننظر بميزان عادل، ونحمل كل شخص ما هو مسؤول عنه، ولا نحمل الآخرين أخطاء البعض، ومن الضروري أن نركز على الجوانب السلبية والإيجابية في الوقت نفسه بدلا من التوجه للجوانب السلبية فقط والتركيز عليها، ونهمل الجوانب الإيجابية، وهذا يتطلب منا بأن نبتعد عن تعميم الحكم الجائر، أو التقصير، أو الشر على كافة الفئات التي تعمل في هذه المؤسسة في حالة إخفاق شخص واحد، فلا يتم إصدار الحكم على الجميع بالفشل في حالة إخفاق فرد واحد من أفراد هذه المنظومة، أو من صناع القرار بها، ولا بد من التمييز في مثل هذه الحالات بين المتسبب في التقصير، أو المذنب، والمحاسبة الدقيقة له وحده دون غيره، ولا نعمم الحكم على الجميع بالفشل، أو التقصير، أو الإخفاق، فقد يكون الآخرون ليس لهم ذنب، وقد لا يملكون صلاحيات، وليسوا من صناع القرار، وتتم محاسبتهم، أو معاقبتهم بدون سبب يذكر، وهنا لا بد أن يخص الشر أهله، ولا نصل إلى محاسبة الأبرياء، أو غير المقصرين بسبب أفعال المتهاونين، أو غير الجادين، ثم نقول الشر يعم، فهذا ظلم واضح، وإجحاف في حق الآخرين.

أتمنى ألا يصل الحد بنا إلى أن يكون ذلك هو توجهنا، أو منطقنا "الخير يخص والشر يعم" في التعامل مع الآخرين، أو في تقييمنا لهم، ولسلوكياتهم المختلفة، والمشكلة قد تكون أكبر عندما يستخدمها، أو يرددها المسؤول التنفيذي، ومن ثم يطبقها في المؤسسة التي يعمل بها على العاملين معه حيث تتم معاقبة الجميع، أو الأغلبية بسبب خطأ ارتكبه شخص، أو شخصان، وهذا من أنواع العقاب الجماعي غير المبرر، الذي يتم تطبيقه على الكثير بدون ذنب، ولنا أن نتخيل كيف سيكون عليه حالهم إذا تعرضوا لهذا النوع من العقاب بسبب إخفاق فرد، أو مجموعة صغيرة لا تمثل الأغلبية، وهنا أرى أن تطبيق مبدأ "الشر يعم" تعميم للمحاسبة غير المسؤولة وقد تكون له أبعاد، أو آثار على العاملين في أي قطاع، وقد يتم وصف من يطبق هذا المبدأ بأنه سلطوي، أو "سادي"، وقد ينعكس ذلك سلبا على الإنتاجية لهذه المؤسسة، وتكون بيئة عمل طاردة، وغير جاذبة، بل تكون بيئة سلبية غير منجزة.

كما أنه في حالة تعميم الشر يشمل اللوم، أو العقوبة، أو المحاسبة، أو أي إجراء المخلص الذي يقوم بأداء عمله على أحسن وجه، فيحس بالظلم، والقهر، وهذا لا يقره ديننا الحنيف "فالظلم ظلمات"؛ لأنه في هذه الحالة تمت المساواة بين المحسن، والمسيء فيما يخص العقوبة؛ فتعميم الخطأ الذي يقع فيه شخص ما على مجموعته التي يعمل بها ظلم، وعقاب غير مبرر، وسلوك إداري غير مقبول، وهنا أرى أن "الخير يخص والشر يخص"، وكل شخص يحاسب على قدر إنتاجيته، أو إخفاقاته، أو تقصيره بعيدا عن محاسبة الجميع بذنب اقترفه فرد واحد، وكثير من هذه الحالات نراها في الممارسات اليومية، أو نسمع عنها في وسائل الإعلام المختلفة عند معاقبة جميع الطلاب في مراحل التعليم العام، أو حتى في التعليم الجامعي بناء على خطأ، أو سلوك خاطئ من شخص واحد، ونتيجة لذلك تتم معاقبة الجميع بدون ذنب، كما يمكن ملاحظة ذلك وبشكل واضح في بعض وحدات، أو إدارات، أو مؤسسات القطاع العام عندما يقوم الإداري غير الناجح بالمعاقبة الجماعية نتيجة لأي إخفاق كان نتيجة لتقصير شخص ما، فيكون العقاب جماعيا، مثل حرمان من الإجازات لمدة معينة، أو غير ذلك من الأساليب العقابية، أما في القطاع الخاص فقد تكون هذه الحالات محدودة، أو معدومة، وهنا أقول: "الخير يخص، والشر يخص"، وهذا من أسس المحاسبة، أو التقييم السليم.