يقول رونالد واردف «إذا كانت الحرب هي وسيلة امتداد للسياسة فإن السياسة اللغوية هي الشكل المدني للحروب بين اللغات»، ومن خلال المؤسسات التربوية والتعليمية يبرز دور التخطيط اللغوي السليم، فسؤال الهوية اللغوية لأي بلد ينبغي أن ينطلق من خلال التعليم لينتهي إلى جميع نواحي الحياة الاجتماعية.

ورسم معالم السياسة التعليمية والتربوية يجب أن يبدأ من الأستاذ نفسه؛ كونه القدوة التي يقتدي بها الطالب خلال مسيرته الدراسية.

والسلطة التربوية في مؤسسات التعليم والجامعات يقع على عاتقها مسؤولية جسيمة تتمثل في تخطيط بنود السياسة التعليمية اللغوية المقررة التي يفترض أنها سياسة تسهر على حماية اللغة الوطنية للبلد، وهي مهمة في غاية الحساسية؛ لأنها تنطلق من هاجس الحفاظ على الهوية عبر الحفاظ على اللغة.

ومن صرح الجامعة التي يفترض أنها الجهة الأكثر تأهيلاً وصاحبة الدور الأهم من بين مؤسسات التعليم في مسألة التخطيط اللغوي للدفاع عن الخيارات اللغوية التي تدعم قضية هوية الأمة من جانبها اللساني في هذه الحرب اللغوية العالمية الباردة، فخسارة الأمة للغتها يقتضي مباشرة خسارتها لهويتها.

ومن هنا نطرح تساؤلا بسيطا: هل الجامعات العربية تسير في الطريق الصحيح في مسألة التخطيط اللغوي للغة العربية؟، أم أن اللغة تعيش أزمة فعلية داخل أروقة الجامعات وأقسام اللغة وآدابها؟، خاصةً إذا عرفنا أن النظريات الغربية تنتشر انتشارا طاغيا داخلها، والسؤال الأهم: هل أقسام اللغة تواجه أزمة انتماء للغة وآدابها وتراثها بين منسوبيها؟.

تمثل العربية لغةً مشتركة ورمزاً لوحدة الأشخاص المتكلمين بها في المجتمعات العربية، والعلاقات الاجتماعية الحقيقية لا يمكن أن توجد خارج اللغة، فهي تخلق الشعور بالانتماء للجماعة والأمة، فضلاً عن كونها تمثل نسق المعتقدات الدينية الذي يشكل عصب الهوية وسقفها وحلقة الربط بين الماضي والحاضر، وإذا انقطع هذا الرباط انقطعت كل صلة بالهوية مما يولد أزمة وعي ووجود وانتماء، باعتبار أن اللغة تعد من أقوى الروابط بين الأعضاء وركنا من أركان الهوية الضامنة للاستمرار والترابط بين الأجيال.

فلا شك أن اللغة العربية وآدابها وتراثها تواجه تهميشا شديدا وإقصاء وتحديات تصل حد مهاجمة العربية والحط من قيمتها، واليوم نشاهد الحملة ضد أدب اللغة العربية ومحاولة شيطنته ودعشنته وقذفه بتهم العنف والتطرف بحجة النقد الذاتي والموضوعي والعلاج الثقافي. وليس سرا القول إن هذه الهجمة ضد أدب العربية وتراثها يقف خلفها بعض منسوبي أقسام اللغة وآدابها في بعض الجامعات العربية.

فشيطنة الأدب والحط من قيمة التراث سواء أكانا بقصد أو بدون قصد يعدان شكلاً من أشكال الحرب النفسية على الأمم، من خلال التقليل من أهمية المنظومة الحضارية في بعدها الحضاري، وأسرع طريق نحو ذلك يكون عبر تهميش النسق الحامل لهذه المنظومة في المؤسسات التعليمية والتربوية.

إن إعادة النظر في السياسة اللغوية لكثير من أقسام اللغة وآدابها أصبح ضرورة ملحة، فالانتماء للغة والهوية أكثر أهمية من التأهيل والشهادات والابتعاث والندوات؛ لأن القيمة الوجودية للإنسان العربي تكمن في اعتزازه بلسانه وهويته قبل كل شيء، وهذا الشرط الأساسي يفتقر له بعض منسوبي أقسام اللغة للأسف الشديد.