يعد قطاع الأسمنت السعودي الأكثر تنافسية في العالم من حيث التكلفة في الإنتاج، أي أن تكلفة إنتاج كيس الأسمنت في السعودية هي الأقل من تكلفة نفس عبوة الكيس بنفس المواصفات في أي دولة أخرى في العالم بما فيها دول الخليج، والسبب في ذلك يعود إلى ثلاثة عناصر رئيسية: الأول هو أن تكلفة الوقود المشتراة من الحكومة هي الأرخص تكلفة من جميع دول العالم الآخر، وذلك نتيجة دعم الدولة لصناعة الأسمنت بأسعار تشجيعية للوقود، وذلك دعماً للصناعة المرتبطة بالتنمية. أما العنصر الثاني فهو وفرة ومجانية خام الحجر الجيري في المملكة، وهو المادة الخام الرئيسية لتصنيع الأسمنت، وهي مستخرجة من أراض حكومية. أما العنصر الثالث فهو قروض التمويل التي تقدمها الدولة والتي تعتبر الأرخص تكلفة من أية قروض تمويلية للصناعة في بقية أنحاء العالم، وهي من أهم مميزات عناصر التكلفة. إن هذه العناصر الثلاثة تمثل أكثر من 60% وتصل أحياناً إلى 70% من التكلفة الإجمالية لإنتاج الأسمنت عالمياً.
ونتيجة لهذه الأسباب الخافضة للتكلفة في الإنتاج حققت مصانع الأسمنت في المملكة أعلى الأرباح الإجمالية، مقارنة بأي مصانع في العالم بما فيها مصانع الأسمنت في دول الخليج التي حققت مصانعها نسبة 30% أرباحا، بينما حققت مصانع المملكة أرباحاً تصل نسبتها إلى 60% في بعض المصانع، حيث حققت مصانع الأسمنت التسعة في المملكة أرباحاً مقدارها 4.500 (أربعة مليارات وخمسمئة مليون ريال) في عام 2011م، والذي يعتبر العام الأهم والأكثر ربحية لمصانع الأسمنت السعودية، حيث حققت بعض المصانع نمواً في صافي دخولها بنسبة 25% تقريباً، حسب تقرير الأهلي كابيتال، ووصل في بعضها الآخر إلى 43%. ويعود السبب إلى ارتفاع الطلب على الأسمنت نتيجة مشاريع التنمية العملاقة في المملكة والتي رافقتها زيادة الطلب لمشاريع القطاع الخاص، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأسمنت حتى وصل سعر كيس الأسمنت إلى 25 ريالا في السوق السوداء. وتتقدم شركة أسمنت العربية بقية مصانع الأسمنت بتحقيقها نسبة نمو في أرباحها بلغت 60%، وارتفع حجم مبيعات جميع مصانع الأسمنت في المملكة إلى نحو 43.8 مليون طن عام 2011م، مقارنة بحوالي 39.13 مليون طن عام 2010م. وحسب التوقعات لعام 2012م سترتفع الأسعار بقوة ضغط الطلب على الأسمنت، ويتوقع أن العرض لن يستطيع مواجهة الطلب، ولاسيما أن أزمة إمدادات الوقود من أرامكو يتوقع أن تستمر وأن تساهم في تعطيل إنتاج توسعات بعض المصانع. كما يتوقع زيادة الطلب على الأسمنت في المشاريع الحكومية في عام 2012م بناء على العقود الحكومية والتي تجاوزت 95 مليار ريال خلال الربع الثالث من عام 2011م وما زالت قيد التنفيذ، ومنها مشاريع تطوير مكة المكرمة، ومشروع تطوير مطار الملك عبدالعزيز بجدة، والمشاريع الصناعية والعمرانية الجديدة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، ومدينة المعرفة بالمدينة المنورة، والمدينة الاقتصادية بحايل، ومشاريع التنمية في منطقة الرياض، بالإضافة إلى القرارات السامية لبناء خمسمئة ألف وحدة سكنية للمواطنين. ومع زيادة الطلب المتنامي يتوقع أن تحقق مصانع الأسمنت أعلى معدلات الأرباح، وهذا هو موضوع مقالتي اليوم، والتي أستفسر فيها طارحاً الأسئلة: أين الدور الاجتماعي والتنموي لمصانع الأسمنت السعودية التي تعتبر أكبر مستفيد من مميزات الدولة للصناعة، حيث منحتها الأراضي الصناعية الشاسعة وأعطتها امتياز المادة الخام من أراضي الدولة، ومنحتها القروض التمويلية بآلاف الملايين بمصاريف خدمات زهيدة ودعمتها بالأسعار التشجيعية للوقود وتركتها تصل بربحيتها إلى 60% لبعض المصانع و25% لأقل المصانع ربحاً، ومنحتها الحماية الجمركية في بعض ظروف الكساد ؟ أين هذه المصانع التي تجاوزت أرباحها أربعة مليارات وخمسمئة مليون ريال في العام الماضي من الأعمال الاجتماعية؟ وأين البعد الاجتماعي في أعمالها؟ وأين برامج المسؤولية الاجتماعية ؟ وما هي المشاريع التي قامت بها لتنمية المناطق النائية التي منحت بها الأراضي أو تم تأجيرها لها بأسعار رمزية ؟ لماذا لم تستفد منها القرى المحيطة بها أو أبناء هذه القرى ونساؤها؟ أين هذه المصانع من برامج مكافحة الفقر وبرامج تأهيل الشباب؟ أين هي من برامج دعم البحث العلمي؟ أين هي من برامج حماية البيئة وهي أحد أكبر ملوثي البيئة؟ أين هذه المصانع من برامج السكن التعاوني أو الإسكان الشعبي أو برامج تمويل سكن ذوي الدخل المحدود؟ أين مصانع الأسمنت من برامج السعودة؟ وأين مصانع الأسمنت من مشاريع تطوير العشوائيات؟.. أسئلة عديدة أطرحها اليوم على القائمين على مصانع الأسمنت، وهم من رجال الوطن الذين نفتخر بوطنيتهم.
إن صناعة تحقق أرباحا تصل إلى 50% و 60% مطالبة إما بخفض أسعار منتجاتها إلى مستوى حدود ربحية تصل إلى 10% أو 15% ،وهي الأرباح العادلة، بل هي أعلى من متوسط أرباح مصانع الأسمنت في العالم وبالتالي ستنخفض التكلفة على المواطن الفقير وذوي الدخل المحدود ومتوسطي الدخل.. أو لا مانع من الإبقاء على الأسعار السائدة حسب تسعيرة وزارة التجارة والصناعة، شريطة أن يكون لمصانع الأسمنت دور اجتماعي وإنساني متميز في المجتمع.
إن دور مصانع الأسمنت في برامج المسؤولية الاجتماعية هو مطلب وطني، وعلى القائمين على هذه الصناعة التفاعل الإيجابي مع المجتمع، وليكن لكل مصنع مساهمة فعالة في المنطقة التي يعمل وينتج منها.