محمد عبده عثمان آل دهل عسيري.. صوتٌ قادمٌ من أقصى جنوب تجاويف القلب/الوطن.. ليكون صوتَ القلب، كلّ القلب/الوطن كلّ الوطن..

يتيم الأب ـ منذ كان في ثالثة العمر ـ يريد حيلةً للعمر، ومهنةً للعيش، فيتخصص في صناعة القوارب، ثم يعمل موظف بريد.. وشتّان بينهما، لكنه العيش..

كان ـ كما هو ـ يحبّ أن يغنّي.. ويغنّي، حتّى أحبَّ عمر كدرس منه أن يغنّي، فصار طفل اليتم، صوتا كهديرِ البحرِ، ورجفة الرعد، حينَ يُنْشِدُ للوطن, بأداءٍ يأخذنا "فوق هام السحب".. فيتغلغل في خلايا الفخر فينا، ويعزف على أوتار فجر الأرض داخلنا، ليضيء ضحى الوطن حولنا.. ونبقى عاكفين على انتمائنا بسلامٍ آمنين، قائلين: "أجل نحن الحجاز ونحن نجد..."..

حين كان مبهراً في "أرفض المسافة"، سنة 1989، توقّف فجأة كقلبٍ مُتعَب، ولم يغن إلا للوطن في أزمته الكبرى، وواصلَ التوقف حتّى أعادته مدينة الضّباب في حفلٍ فني ذي ضوءٍ مبهرٍ حدّ خلوده كما تخلد في الأذهان لحظات الحسم..

له همساتٌ كَوَشْوَشَةِ الساهرين حينَ يشدو للحبِّ والجمال.. "من بادي الوقت"، وهو يدلّ العاشقين على "سكة التايهين"، الذين يرفضون المسافة، على الرغم من أنهم يرون "كلّ المواعيد وهم" ويتقلبون على "جمرة غضى"، مجسدين "المعاناة"، وهم يبحثون ـ كلما "تثاءب المساء"ـ عن دمعة غيمة في "أنشودة المطر"، كي تعشب في عيونهم "الأماكن"، فيرسلون "رسول أشواق" قلوبهم، إلى كلّ الحانين إلى لحظات الشوق اللذيذة، لذة برد صحراء، أو لذة الدفء في نسمات جبل، أو لذة الحنين في صوت محمد عبده..

يتدفقُ صوتُه على أسماعِنا كلَّما فكَّرْنَا في الأغنيةِ السعودية, بل إنه هو الأغنية السعودية بتاريخها وتعرجات مسيرتها، حتّى نضجها الذي صيّرَها "الأغنية السعودية"..

أصابته الوعكة، فشعرنا بها كلُّنا، لأنّه فينا جميعاً..

يَحْضر في مناسباتِ الوطن فَرداً كأفواج.. يحضر ويحضر ولا يغيب.. ليكتب بالصوت الأخاذ تاريخَ أُمَّةْ.. فصوتُه هو لنا المُحَفِّزُ في أيامِ الحرب, والمطْرِبُ في أيامِ الحب، والسمير في أمسيات الحنين، وهنيهات البحث عن قصيدةٍ شاردة، أو الاستمساك بعروة شعورٍ لذيذ.