تخطو المملكة بتوجيهات قيادتها الرشيدة خطوات واثقة وواثبة نحو تنمية نهضوية طموحة شاملة ومتكاملة، تمثلت في المشروع الوطني «رؤية 2030»، الذي أقر من مجلس الوزراء في الثامن عشر من رجب عام 1437هـ، وذلك من أجل تحقيق ما نأمله بأن تكون بلادنا بعون من الله وتوفيقه أنموذجاً للعالم على جميع المستويات.

إذا عرجنا إلى تحليل هذه الرؤية، سنجدها تنطلق من مرتكزات أساسية، بدءا من الثوابت الدينية التي أنعم الله بها عليها، حيث من الله عليها بالحرمين الشريفين، أطهر بقاع الأرض، وقبلة أكثر من مليار مسلم، مرورا بما تمتلكه من قدرات استثمارية ضخمة، ستكون محركاً لاقتصادنا ومورداً إضافياً له، وصولا إلى ما تمتاز به من موقع جغرافي إستراتيجي، حيث تعد أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية.

وبموازاة ثوابتنا الدينية ومواردنا الطبيعية، قد جعلت الرؤية الإنسان السعودي قوامها وأساس تنفيذها، فبلا شك إن الموارد الطبيعية والموارد البشرية التى حبا الله بها هذا الوطن، مرتكزات ستعيننا بعد الله على استشراف مستقبل أكثر إشراقاً للجيل القادم.

لا يخفى على أحد أن المملكة تعيش منذ 5 سنوات فترة تحولات كثيرة تسير في عدة اتجاهات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ورياضية وفنية وأيضا في مجال الترفيه، مدفوعة بتلك الرؤية الطموحة التي تسعى إلى استقطاب أفضل العقول والكفاءات والمواهب العالمية التي تضيف إلى قدرات المملكة وتعزز إنتاجها، وهو ما جعلها اليوم وجهة لأشهر الشخصيات العالمية التي جاءت لتفيد وتخدم مجتمعنا في ميادين مختلفة.

ولعل ما تشهده المملكة مؤخرا ولا تزال من فعاليات متنوعة تستضيف من خلالها شخصيات عالمية، سواء في الثقافة أو الرياضة أو السياحة أو الفنون أو الترفيه أو التبادل العلمي والمعرفي أو وسائل التواصل الاجتماعي أو التحول الرقمي، خطوة على الطريق الصحيح، تبرز من خلالها قوتها الناعمة بعيدا عن وسائل القوة والعنف والضغط والإكراه والإجبار، وتستثمرها كإحدى أدواتها السياسية والدبلوماسية، جنبا إلى جنب مع ما تملكه من حضارة وتاريخ وثقافة وهوية وموقع ومحتوى ومواهب وقدرات وإمكانات.

وفي رأيي، فإن المملكة بمؤسساتها الحكومية والخاصة، أحسنت صنعا باستقطابها لهؤلاء المؤثرين من جميع أنحاء العالم ضمن فعالياتها المختلفة، ففضلا عما تعززه تلك الخطوة من تحقيق التنوع والتكامل الذي تستمد منه الدول المتقدمة عناصر قوتها ومقومات ازدهارها، فإنها في المقابل تلعب دورا هاما في إبراز ما حققته المملكة في كافة المجالات التنموية والحضارية والاقتصادية، وبما يتماشى مع مرحلة الإصلاح والتحديث التي تعيشها، وأيضا بما يساهم في تحسين صورتها الذهنية أمام الرأي العام العالمي، انسجاما مع أهداف رؤية 2030.

ولكن على الرغم من أهمية استضافة تلك الشخصيات العالمية المتميزة من أهل العلم والفكر والإبداع وذوي الاختصاص، والذين يمكن أن يساهموا في وضع المملكة في مكانها الطبيعي وبالشكل الصحيح، لاسيما في ظل ما يُكتب عنها من تقارير مغلوطة من بعض الجهات لغاية في نفس يعقوب، إلا أنه من غير المعقول والمقبول أيضا أن نستضيف تلك الشخصيات وننفق عليها الكثير من الأموال ليكون حضورهم ومشاركتهم في بعض الفعاليات والمؤتمرات وورش العمل شاهدا لنا لا علينا، ثم وبمجرد عودتهم إلى بلدانهم يسيئون لنا ويطعنون في رموزنا، ويشكّكون في مواقفنا ويشوّهون سمعتنا، بدلا تصديهم للرد على تلك التقارير المغلوطة وتصحيحها وإبراز الإنجازات والإصلاحات التي حققتها المملكة خلال السنوات القليلة الماضية.

المملكة دولة متكاملة بكل ما تحمله الكلمة من معان، بالإمكانات والقدرات والموارد الطبيعية والبشرية التي تملكها، علاوة على موقعها الجغرافي وتاريخها الثري وحضارتها العريقة، وما تحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى لتحسين صورتها الخارجية هو إستراتيجية أعمق وأيضا كثير من الجهد وخاصةً من الجهات المعنيّة في اختيار شخصيات مهتمة بالسعودية وبثقافتها وتراثها وفنونها، واستعراض تجاربهم الشخصية في مجالات متنوعة ثقافية، واجتماعية، ورياضية، وإعلامية.

وحتى نختار من نستضيفهم جيدا، لا بد أولا من وقفة تفكير وتأمّل وأن نضع ضوابط صارمة ومعايير دقيقة قبل حضورهم، أولها تحري الدقة والحياد والإنصاف والإقناع، حتى يكونوا استثمارا حقيقيا وعظيما ومستداما نستطيع من خلاله تصحيح بعض القضايا التي قد لا تكون واضحة ومفهومة لدى المجتمعات والثقافات الأخرى، ولا شك أن كل ما سبق وأكثر ستكون له عوائد لا محدودة، أهمها وضع المملكة في مكانها الطبيعي بأدوات تواصل نوعية وشبكة علاقات قوية تسهم في تعزيز شراكتها بالتنمية الدولية وفق أعلى المستويات والمعايير التي تدعم الحاضر وتتنبأ بالمستقبل.

وعلى صعيد آخر.. يجب أن نعمل بجد على تعويد أفراد المجتمع على رؤية المختلف بثقافته وجنسه وعاداته وتقاليده، وزيادة وعيه، من حيث إن اختلاف الثقافات وبالتالي التباين بما هو مقبول ولا مقبول في مجتمعات مختلفة لا يعطينا الحق في اختراق الخصوصيات أو التعدي على احترام الطرف الآخر، يجب أن نعمل بجد على تثقيف أفراد مجتمعنا بكيفية التعامل مع الضيوف لأننا كشعب المرآة الأصدق للمجتمع، وعلى وعي الشعب وثقافته وتأدبه وحسن استقباله واحترامه لضيوفه يقاس رقيه.. ولأن مجتمعنا راقٍ جداً وشعبنا محترم جداً فيجب ألا نسمح لقشوره أن تتصدر المشهد أمام العالم حفاظاً على صورة حقيقيه رائعة لوطن يستحق من غير فوتوشوب مشوه يقوم به جهلاء الحرية.