الإدمان معقّد، ولكنه يتجلى في أي سلوك يجد الشخص فيه راحة أو رضا وسعادة مؤقته، وبالتالي يتعطش له، ولكنه يعاني من عواقب سلبية على المدى الطويل، ولا يمكن أن يتخلى عن هذا السلوك بسهولة.

الإدمان قد يكون في أي سلوك، وليس فقط الإدمان على مخدر. وسلوكيات الإدمان تشمل: القمار، الجنس، العلاقات الشخصية، وسائل التواصل الاجتماعي، الأكل، التسوق، العمل.

إن كنت تريد أن تفهم الإدمان، لا تفكر: ما مشكلة الإدمان؟، بل ماذا يجد المدمنون في سلوكيات الإدمان؟. الإدمان يساعد على الهرب من الألم النفسي، وأيضا ربما يجلب الشعور بالسيطرة والسلام الداخلي، أو يقلل من الشعور بالوحدة أو القلق أو الشعور بفقدان الحب، وكل هذا يندرج تحت الآلام العاطفية. الإدمان ليس هو المشكلة، لكن الإدمان هو محاولات لحل المشكلة.

لذا، يجب ألا نسأل عن الإدمان، بل عن الألم. ماذا حدث في حياة المدمن جعله يتعرض للألم، ثم حاول التخلص من هذا الألم خلال ممارسة سلوكيات الإدمان، ثم ضخّم الإدمان نفسه هذا الألم وضاعفه، بل زاد الألم أضعافا مضاعفة؟. الإدمان يبدأ بألم وينتهي بألم. هناك مدمن للمخدرات يقول: أنا لا أخشى الموت، أنا أخشى الحياة. وسُئِل مدمن آخر: لماذا تستخدم المخدرات إذا كانت سامة؟ قال: لأن هناك أشياء داخلي أريد قتلها.

للأسف، النظام القضائي يرى أن إدمان المخدرات هو خيار يختاره الشخص وإذا لم يختر اختيارا واعيا، فيعاقب عليه. المفترض ألا نعاقب أشخاصا لأنهم يعانون ويحاولون الهرب من آلامهم، بل نقدم لهم المساعدة المناسبة بدلا من سجنهم وجعلهم مجرمين. هناك عدة دراسات أثبتت أن مدمني المخدرات بعد خروجهم من السجون يعودون إلى الإدمان مرة أخرى، وهذا يرفع معدل عودتهم إلى السجن كذلك، وأن الخضوع لعلاج الإدمان يقلل نسبة عودتهم إلى الإدمان والسجن. كم مسجون سجن بسبب قضايا متعلقة بالإدمان؟ مثل: القيادة تحت تأثير المخدر، وحيازة مخدرات لاستخدام شخصي، وجرائم العنف، وغيرها من الجرائم بسبب المخدرات.

أقدم اقتراحا للمديرية العامة للسجون، بالتعاون مع وزارة الصحة، بتشكيل برنامج تأهيلي علاجي للقضايا المتعلقة بالإدمان، يختار خلالها المدمن الانضمام إلى برنامج علاجي تأهيلي بدلا من الذهاب إلى السجن.

آلية البرنامج التأهيلي العلاجي كالتالي: المحكمة يمكنها إصدار أمر للمدمنين الذين ارتكبوا قضايا بسبب الإدمان، بالخضوع لعلاج تأهيلي لمدة محددة من قِبل القضاء. البرنامج التأهيلي يتضمن: زيارة لطبيب نفسي للتخلص من الاعتماد الجسدي للمخدر، وزيارة معالج نفسي للتخلص من الاعتماد النفسي على المخدر، وعلاج الآلام النفسية المسببة للإدمان، وزيارة أخصائي اجتماعي لتأهيل المدمن، ليكون عضوا فعّالا في المجتمع، خلال مساعدته للبحث عن وظيفة، أو إكمال دراسته وتطوير مهاراته الاجتماعية، وما يتطلب لتأهيله للعودة إلى المجتمع، وعلاج جماعي لتوفير الدعم الاجتماعي خلال فترة العلاج لتجنب الانتكاس.

من خلال إطلاق هذا البرنامج العلاجي التأهيلي المتكامل، فإننا ليس فقط نساعد المدمنين، بل أيضا نساعد المجتمع في عدة قضايا منها: تخفيف نسبة الإدمان، وبالتالي يساعد على تخفيض نسبة الجرائم في المجتمع، بما أن نسبة من الجرائم متعلقة بالإدمان، والمساعدة على تقليل نسبة الضغط على غرف الطوارئ بما أن المدمنين يزورون غرف الطوارئ عدة مرات في حياتهم، إما بسبب زيادة الجرعة، أو الأمراض المتعلقة بالإدمان، أو الحوادث بسبب القيادة تحت تأثير المخدر، والمساعدة أيضا في تقليل نسبة الحوادث المرورية.

البرنامج العلاجي التأهيلي المقترح سيسهم في إعادة تأهيل طاقة شبابية أهدرت بسبب المخدرات، لأن الإدمان مرض وليس جريمة.