على الرغم من مضي 25 عاما تقريبا على أول قرار أصدره وزير الداخلية، يقضي بقصر العمل في أسوق ومحلات الخضار والفواكه على المواطنين، ونحو عامين على قرار وزارة العمل بتوطين «سعودة» محلات الخضار والفواكه، إلا أن العمالة الوافدة ما تزال تسيطر على هذا القطاع، إذ كشف استقصاء أجرته «الوطن» عن سيطرة كبيرة للعمالة على أسواق الخضار والفواكه بالرياض. كما أكدت دراسة رسمية حديثة سيطرة العمالة الوافدة على عمليات البيع والشراء، وعمليات التوزيع على مراكز ونقاط البيع خارج السوق في أسواق الخضار والفواكه في مدن ومحافظات منطقة مكة المكرمة.

غياب الرقابة

أرجعت الإدارة العامة للتدريب التقني والمهني بمنطقة مكة المكرمة، في سياق دراسة حديثة أجرتها في 2019، بتكليف وإشراف من إمارة مكة المكرمة بعنوان «توطين قطاع أسواق الخضار والفواكه بمنطقة مكة المكرمة»، أسباب سيطرة العمالة الوافدة على أسواق الخضار والفواكه، إلى غياب الرقابة، إضافة إلى مساعدة التجار والدلالين للعمالة الوافدة، خلال استئجار معظم المحلات والبسطات وتسليمها للعمالة التي تمارس أعمال البيع والشراء، أما التصاريح التي حصلوا عليها فهي خاصة بالتنزيل والتحميل والنظافة فقط، وذلك أدى إلى عدم وجود مواقع يمكن تأجيرها للشباب السعودي.

تقليد اللهجة

خلال جولة لـ«الوطن» على عدد من محلات الخضار والفواكه، رصدنا نسبة كبيرة منها يعمل فيها وافدون غالبيتهم من جنسية عربية مجاورة، يرتدون الزي السعودي ويحاولون تقليد اللهجة السعودية، ربما لكسب ثقة الزبائن وتضليل الجهات الرقابية عند زيارتها للتفتيش، فيما وجدنا محلات أخرى يعمل بها سعوديون يساعدهم فيها أجانب، قال أحدهم إنه يضطر لتشغيل الأجنبي كونه يستطيع أن «يمشّي» المحل من خلال علاقاته بالموزعين وتجار حلقات الخضار والفواكه.

الأجانب يسيطرون

في أحد المحلات التي زارتها «الوطن»، خرج علينا عامل من أقصى المحل عبر مستودع داخلي قائلا، إنه يحاول التأكد من زبائنه عند دخولهم للمحل، وذلك خوفا من الزيارات المفاجئة للجهات الرقابية التي تتأكد من سعودة المحلات، وبعد حديث معه باح ببعض الأسرار التي تمارسها العمالة في محلات الخضار للاستمرار في هذا النشاط، رغم قرار سعودته، مشيراً إلى أن ضبط الأجنبي في المحل يعني الغرامة والترحيل، ولذلك يحاولون اتخاذ إجراءات احترازية لعدم كشفهم، حتى لو وصل الأمر إلى الهرب من الموقع حتى لا يتم القبض عليهم، لافتاً إلى أن غالبية المحلات توظف شخصا سعوديا، تكون مهمته الرئيسية مقابلة الجهات الرقابية عند زيارتها المحل، ويحصل على راتب شهري، لكن النشاط الفعلي والعمل اليومي والكسب المادي يكون من نصيب العمالة الأجنبية، مضيفا بأن الموظف السعودي لا يرضى براتب يتراوح بين 3 و4 آلاف ريال، والتي عادة ما تعطى لموظف محل الخضار والفواكه، وكذلك لا يتحمل ضغط عمل 15 ساعة في اليوم هي مدة فتح المحل، والتي تبدأ من الـ9 صباحا، والإغلاق الـ12 منتصف الليل، مما أسهم في عزوف الشباب عن العمل في هذه المحلات.

الخروج من المنافسة

المواطن سعيد البشري قال، إنه عمل في أسواق الخضار والفواكه بإحدى المناطق التي تعد من سلال الغذاء المهمة للمملكة، وفيها كمية كبيرة من الوافدين الذين يسيطرون على الأسواق، مضيفا: لن تجد سعوديا واحدا في السوق سواء الحراج أو محلات التجزئة، بسبب سيطرة العمالة الوافدة والمخالفة لنظام العمل، والتكتلات التي يقوم بها الأجانب ضد السعوديين، مما يجبر الشاب على الخسارة والخروج من المنافسة، وكذلك عدم وجود تنظيم للمزادات والأسواق، وبالتالي عدم وجود رؤية واضحة وآلية في التعامل والتوريد، إضافة إلى التكاسل في متابعة قرار منع الأجانب من أسواق الخضار، رغم ضرورة السيطرة عليه، باعتباره رافدا غذائيا مهما جدا من عدة نواحٍ: صحية واقتصادية، وغيرهما.

اهتمام بالربح

أشار البشري إلى أنه خلال تجربة شخصية، فإن الوافدين يهتمون بالربح أكثر من «الجودة»، خصوصا في التعامل مع موردين من بني جلدتهم، إذ إنهم يستخدمون مبيدات ضارة، وبعضها يتم شراؤها من وراء الأنظمة ويستخدم بكميات هائلة، إذ إن صحة المواطن لا تعنيهم، كما يمارسون الغش بطريقة غير مباشرة حتى في الفواكه المستوردة.

فمثلا في فاكهة البرتقال، يعيدون ترتيب حبات الفاكهة كي يحصلوا على كرتون إضافي في كل 8 كراتين معبأة من المصدر ويبيعونها بالمبلغ نفسه، بالتحايل على المستهلك، لافتاً إلى أن الأجنبي لا يخسر في هذا النشاط، فلديه زبائنه من جنسيته في المطاعم والبوفيهات، فالبضاعة التي لا تباع في السوق يبيعها للمطاعم بنصف السعر، دون مراعاة للجودة وسلامة المنتج.

فيما أشار المواطن عبدالرحمن الجوري، إلى أنه يفترض توطين سوق الخضار بشكل كامل، إذ يعدّ نقلة كبيرة للقضاء على البطالة والتخلص من العمالة المخالفة، مضيفا بأن هذا النشاط لا يحتاج إلى كثير من الجهد ولا رأس المال، وكل ما يحتاجه هو قرار حازم وتطبيق جاد يمنع ممارسة هذه المهنة لغير السعوديين إطلاقا.

التستر التجاري

أشار مواطنون التقتهم «الوطن»، إلى أن التستر التجاري ربما يكون هو العقبة الأكبر في فشل توطين أسواق الخضار والفواكه، مؤكدين أنه يجب القضاء على هذه الظاهرة، ومتابعتها بشكل دقيق، وفي الوقت نفسه تشجيع المواطنين على العمل في هذا النشاط، خلال تسهيل الإجراءات ودعمهم في فتح محلاتهم وتجهيزها، مما يسهم في سعودتها مع مرور الوقت، لافتين إلى أن هذا النشاط مربح متى ما كان هناك عمل جاد وطموح لدى الشباب السعودي، إذ إن منتجات الخضار والفواكه لا يخلو منها أي منزل أو مطعم، ويقبل عليها الزبائن بشكل يومي، عطفاً على أسعارها المتدنية في محلات الجملة «الأسواق المركزية للخضار»، إذ إن نسبة الربح تزيد على 400% لبعض الأنواع.

تطفيش الشباب

الشاب عبدالله الحربي قال، إنه يتمنى أن تقف الجهات المعنية على معاناة الشباب، إذ إنه عند تقدمهم للتوظيف في محلات الخضار يطلب منهم العمل براتب لا يتجاوز 3 آلاف ريال، ويبقون في المحل طوال اليوم بساعات تزيد على 14 ساعة، ودون راحة طوال الشهر، وهي شروط تهدف إلى تطفيش الشباب من العمل، وبقاء هذا النشاط في أيدي الوافدون والمتسترين على نشاطهم، لافتا إلى أن المنع التام للعمالة من ممارسة البيع في أسواق الجملة ومحلات التجزئة هو الحل الوحيد، للقضاء على سيطرة الوافدين والتستر عليهم.

دراسة حديثة

في جدة، قدّرت دراسة حديثة أجرتها الغرفة التجارية والصناعية، عدد العاملين السعوديين في السوق المركزية للخضار والفواكه، العام الماضي، بـ600 عامل فقط، يشكلون نسبة 33% من إجمالي عدد العمالة، في حين بلغ عدد العاملين الأجانب الضعف بواقع 1200 عامل بنسبة مئوية مقدارها 67%.

قرارات التوطين

يذكر أنه قبل نحو عامين بدأ قرار توطين محلات الخضار والفواكه، ضمن أنشطة أخرى تم الإعلان عن سعودتها، بمتابعة ميدانية من وزارة العمل والشؤون البلدية والتجارة والأمن العام والجوازات. وتقرر حينها اعتماد وثيقة برنامج التوطين في المناطق، لدعم وتعزيز التكامل بين الجهات الشريكة، لزيادة نِسَب التوطين.

ويهدف البرنامج إلى إعداد الخطط وآليات التنفيذ المتعلقة بتوطين المهن في القطاعات والأنشطة الاقتصادية، خلال التركيز على ممكنات كل منطقة، إضافة إلى تطبيق قرارات وبرامج التوطين، بما يضمن تمكين الشباب والفتيات من فرص العمل، وتعزيز التكامل بين جميع الجهات الحكومية والخاصة، لتطبيق وتنفيذ خطط التوطين المستهدفة، وإيجاد بيئة عمل لائقة ومستقرة، ووضع المحفزات والممكنات لتشجيع قطاع الأعمال في المنطقة لتوطين فرص العمل المتاحة. كما يهدف البرنامج إلى إيجاد الآليات المناسبة لتنمية وتطوير القدرات والإمكانات المعرفية والمهارية للقوى العاملة، لتكون جاهزة للتوطين، بالتنسيق مع الجهات المعنية بالتدريب والتأهيل.

التفتيش والمتابعة

تركز آلية عمل اللجان الميدانية على تنفيذ خطة التفتيش والمتابعة اللازمة لتنفيذ برامج التوطين في المنطقة، والقيام بجولات ميدانية «صباحية ومسائية»، بشكل يحقق التغطية الكاملة للأنشطة في النطاق الجغرافي المحدد.

وتتضمن الآلية إعداد جداول لتحديد الأولوية للأنشطة، لتوجيه الجهد الميداني نحو الأنشطة الأكثر استهدافا بالمتابعة والتفتيش، وتزويد أمانة البرنامج بذلك، وتحرير ضبطيات المخالفات في حال عدم الالتزام بقرارات التوطين.

كما كان هناك قرار للسعودة بدأ في 1415 تقريبا، صادر عن وزارة الداخلية حينها، لكنه بدأ بشكل تدريجي ولم ينجح في القضاء على العمالة الوافدة في المحلات والأسواق المركزية للخضار والفواكه.

أبرز ملاحظات سيطرة العمالة على أسواق الخضار

- استئجار التجار «الدلالين» لكثير من مواقع السوق،مما سبب احتكارا للسوق وسيطرة العمالة الوافدة على مفاصله

- عدم وجود آلية متابعة ومراقبة واضحة لمنع العمالة الوافدة والمخالفة من ممارسة البيع والشراء

العمالة المصرح لها بالعمل في السوق، لتحميل وتنزيل البضائع وأعمال النظافة فقط، هي من تتولى المتاجرة

- ارتفاع نسبة العمالة الوافدة على الرغم من وجود عدد من المواطنين الممارسين فعليا للبيع والشراء

- عدم وجود مواقع يمكن تأجيرها للشباب السعودي، إذ إن غالبية الأماكن تم تأجيرها من التجار والدلالين بالسوق

- عدم وجود آلية للمتابعة أو المراقبة، وعدم وجود المراقبين التابعين للجهات ذات العلاقة في غالب الأوقات

- عند دخول اللجنة إلى السوق المركزي، بدأت العمالة الوافدة بالهرب، وترك مواقع البسطات خاوية

- لا يلزم النظام أصحاب البسطات والبايكات بأسواق الخضار بفتح ملف في مكتب العمل

- استئجار بعض التجار كثيرا من البسطات والمحلات الخارجية بالسوق المركزي، وترك العمالة الوافدة تباشر عملية البيع والشراء

- شكوى عدد من الشباب السعودي من عدم توافر بسطات مناسبة في السوق يمكن استئجارها، وسيطرة العمالة الوافدة على أفضل المواقع

- انتشار بسطات عشوائية تقف عليها عمالة وافدة حول محيط المنطقة المخصصة لحراج المنتجات