خلق الله البشر، وهو أعلم بطبيعتهم، فأجاز الخلاف في المسائل الدينية الاجتهادية كما جاز الاختلاف في المسائل الدنيوية والرأي والرأي الآخر.

ففي الشأن «الديني» لا تقل إن «الشيخ فلانا حسم القول» في المسألة الفلانية، وهي من المسائل الخلافية، فتكون «متحكما» في الرأي و«مصادرا» للرأي الآخر.

ولذا يستنكر العلماء «المجتهدون» أن تقول لهم أو عنهم إنهم يحسمون القول في مسألة معينة ما دامت خلافية، وهي الأعم الأغلب من مسائل الدين، فضلا عن أن يكون القائل -والذي تعتبره الحاسم بنظرك- ليس متخصصا، ناهيك عن أن يكون مجتهدا في نفسه، فضلا عن أن يكون مجتهدا لغيره من المقلدين.


وفي الشأن «الدنيوي» من باب أولى، فلا تقل «الطبيب الفلاني حسم القول» في المسألة الفلانية، لأن الخلاف والاختلاف سائغ، فلا تعطه فوق حقه، ولا تجرد حق غيره من المتخصصين.

وقل ذلك في كل التخصصات الدينية والدنيوية، وإياك أن «تقول» فضلا عن أن «تؤمن» بأن هذه الأمور «تُحسَم»، ناهيك عن أن يكون «الحاسم» من غير المتخصصين، حيث تجد المتطفل على العلم الديني (كالشريعة)، والدنيوي (كالطب) وهو ليس منهما، يتحدث في غير فنه، فيأتي «الإعلام» والناس ويعتبرونه «الحسم»، دون احترام للتخصص، ولا تقدير للخلاف بين المتخصصين، وعموم المتلقين.

وعليه فإن لعلماء الدين والدنيا «الاحترام» ما داموا «محترمين» لتخصصهم، ولغيرهم من المتخصصين، ولحق الناس أجمعين في «الاختيار».