على امتداد ثلاث حلقات نشرت "الوطن" الأسبوع الماضي، تقارير للزميل عبد القادر عياد، تضمنت إفادات وشهادات بعض النازحين السوريين في الأردن، وما يتعرض له الشعب يومياً من انتهاك لكرامته وحريته وإنسانيته في معظم المدن والقرى السورية. النازحون تحدثوا عن جرائم وفظائع شاهدوها وعايشوها يصعب على المرء سماعها وتصديقها، ناهيك عن مشاهدتها على أرض الواقع.. صور مرعبة.. مشاهد مؤلمة.. قصص حزينة.. جرائم في منتهى الوحشية التي يندى لها الجبين.

تستمر "الوطن"، انطلاقا من مهنيتها ومسؤوليتها، بدءا من الغد، في متابعة ملف النازحين السوريين في تركيا ولبنان على حلقات، وتقدم مزيدا من القصص والمآسي التي تعرضوا لها خلال رحلة الهروب من بطش نظام ظالم استباح الأعراض والأرواح.. ومن أجل تحقيق رسالتها تمكنت الصحيفة من اقتحام كل حواجز النظام الأمنية وشبيحته لتصل عبر مراسلها الزميل عمر الزبيدي إلى إدلب وبنش وسيرمين وعدد آخر من المدن والبلدات الثائرة ضد الظلم والاضطهاد، والمطالبة بالحرية لتكون من وسائل الإعلام القليلة التي استطاعت التوغل إلى الداخل السوري لترصد وتنقل لقرائها الفظائع والجرائم التي ترتكب يوميا وسط صمت دولي تؤطره المهل اللامنتهية!

لا نختلف في أن السوريين يعيشون محنة حقيقية، وهم يواجهون بصدور عارية وأيادٍ بيضاء عصابات وكتائب وشبيحة الأسد التي تبطش وتنكل بهم لإذلالهم وتركيعهم وتجريدهم من كرامتهم وإنسانيتهم.. تقول المتطوعة ميمونة سعيد التي تعمل على مساعدة ومساندة المغتصبات وسط النازحين السوريين في الأردن، إن "لديها قرابة الـ20 ضحية تتم مباشرة حالاتهن، ومحاولة تقديم العلاج لهن". ويحكي المصاب يونس جاموس، من أهالي درعا، قصته فيقول: "كنا نسير في الشارع ونردد "الله أكبر" قبل أن يتم إطلاق النار علينا، وبعد إصابتي أمسكوا بي وانهالوا عليّ ضربا في نفس مكان الإصابة، الأمر الذي تسبب في كسر قدمي، وأثناء ذلك بدأت تصرخ امرأة من أحد المنازل المجاورة، كانت تشاهد ما يفعلونه بي من تعذيب وضرب، فأطلقوا النار تجاهها قبل أن يغادروا الشارع، حيث تم نقلي إلى منزل المرأة، ولم نجد طبيبا، لأن أغلب الأطباء معتقلون بسبب معالجتهم للمصابين، ومكثت في منزل المرأة يومين ثم نقلت إلى المشفى حين بدأ الجرح يتعفن، وهناك تعرضت للتحقيق والضرب مرة أخرى، في محاولة من الجنود للوصول عن طريقي لبقية المتظاهرين. وبعد ثلاثة أيام نجحت في الهروب من المشفى إلى الحدود بمساعدة بعض الإخوة، إذ قمت بالزحف إلى أن وصلت سياج الحدود الأردنية وتم إنقاذي ونقلي إلى هنا"... القصص لا تتوقف هنا، بل هنالك ما هو أكثر وحشية، فهذه عائلة من حمص تعرضت بناتها الـ9 للاغتصاب أمام الأب والأم، وهن يرفضن مقابلة أي شخص، ويحكي أحدهم أن الشبيحة أخرجوا أكثر من 20 امرأة عاريات تحت تهديد السلاح، وجمعهن بالشارع للمطالبة بأبنائهن المشاركين بالمعارضة.. وتعرضت طفلة تبلغ من العمر 5 أعوام للاغتصاب من مجموعة من الشبيحة، مما أدى إلى موتها نتيجة تعفن الأمعاء. ولا تزال الدموع تنهمر بغزارة - ولا أظنها ستتوقف- من عيون "أم مروة" التي تعرضت ابنتها البالغة 15 عاما للاغتصاب من عدد كبير من الشبيحة في حماة، أمام أعين أخيها الصغير (8 أعوام) وهو ينظر إلى المشهد ويبكي ولا يستطيع فعل شيء!

أليس مخجلاً ومبكياً أن يقف العالم مكتوف الأيدي أمام جرائم كهذه تمارس يومياً؟ أليس مؤسفاً أن تعجز جامعة الدول العربية عن نصرة شعب تنتهك أعراضه وتسفك دماؤه ويغتصب أطفاله وتشرد أسره؟ أليس محزناً ومخزياً أن يجد النظام السوري دعما وشرعية فرضتها على الأسرة الدولية كل من روسيا والصين ليستمر في تنفيذ جرائمه وانتهاكاته؟ أليس مريباً أن يعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار لوضع حد للقتل والتعذيب الذي يتعرض له الشعب السوري، وهو الذي أوقف المجازر في البوسنة والهرسك، وناصر الثوار في ليبيا وجنّب اليمن شبح حرب أهلية كانت تلوح في الأفق؟!

روسيا والصين تمنحان بشار الحماية الدولية، وإيران تعطيه السلاح والشبيحة، وكوفي عنان ومن خلفه الجامعة العربية والأسرة الدولية يعطونه الوقت للتأكد من وصوله لأفراد الشعب كافة، قتلاً وتنكيلاً وتشريداً وتعذيباً..لا أجد مبررا أخلاقيا أو إنسانيا أو دينيا يمنح سفاحا مهلة امتدت أكثر من عام ليمارس كل هذا القبح والإجرام بحق شعبه.

لك الله يا شعب سورية، فإنه يمهل ولا يهمل، فقد كشفتم سوأة العالم وعجزه، وأثبتم فشل منظماته التي تدعي أنها تحافظ على حقوق الإنسان وكرامته، وأكدتم أن المصالح السياسية هي الأهم وفوق كل اعتبار إنساني في هذا العالم.. وما دام الله نصير المظلومين فإن الفرج قادم لا محالة، وإن طال انتظاره.