الأسبوع الماضي بكامله كنت برفقة (حياتي مع الجوع والحب والحرب) لعزيز ضياء ( 1914– 1997)، وبصراحة، هذا أول تعرف لي عن قرب على نشأة وتكوين عزيز رحمه الله. مذكراته التي كتبها في جزأين تقع في حوالي الـ 690 صفحة. تتحدث كلها عن فترة ما قبل العشرين من عمره، ومع أنه أبلغنا كقراء بهذا الأمر في بداية الصفحات الأولى من الجزء الأول، إلا أنني لم أتوقع أن تكون لدى إنسان من الذكريات ما يمكن أن يقع في هذا العدد الضخم من الصفحات.

المهم أنني قرأته واستمتعت به. الجزء الأول يتحدث عن مصاعب رحلة التهجير التي قام بها فخري باشا لأهالي المدينة المنورة إلى الشام. تحدث فيه وبشكل مؤسٍ عن الجوع، وعن انعدام الأمن، وعن قساوة الحياة في بلدان الشام التي تنقل فيها هو وعائلته التي تتكون من خمسة أشخاص. ثم تحدث عن مشاهد الوجع والمرض الذي فتك بالأهالي هناك، وكيف أن الرجل يمشي في الشارع فيسقط ليكون أقصى ما يمكن للماشي خلفه هو كيف أنه يستطيع أن يتخطاه ولا يتعثر به، من أجل أن تمر عربة نقل الموتى من الشوارع لتنقلهم للقبور الجماعية التي تتم تهيئتها لهم. مشاهد مؤسفة ومؤلمة وقاسية جداً، لا يمكنك وأنت تقرأها إلّا أن تحاول أن تسيطر على دموعك ومشاعرك.

الجزء الثاني تحدث بشكل أكبر عن مجتمع المدينة المنورة في فترة حكم الأشراف، وبداية العهد السعودي. استطرد كثيراً في وضع الكتاتيب، ووضع التعليم بشكله المبدئي فيها، وتحدث عن علاقات النساء ببعضهن البعض. كما تحدث ببراعة عن علاقات الأطفال بأهاليهم. الأهم من ذلك أنه استطاع أن ينقلك كقارئ بتفكيرك الحالي إلى أن يدخلك في عقول الأطفال؛ لترى المشاهد بمناظيرهم ومن ثم تتكون لديك لمحة جميلة عن كيفية تفكيرهم، ومن ثم اتخاذهم لقراراتهم التي نراها في كثير من الأحيان أفكاراً طفولية ولا يوجد فيها ما يستحق من الاهتمام.

الكتاب بعمومه، في وجهة نظري ينقل الجانب الاجتماعي لفترات الاضطراب السياسي في بداية القرن الماضي والذي زامنه قيام الثورة العربية على الدولة العثمانية المسيطرة على أغلب العالم العربي. ومع أنه لم يتحدث بشكل كبير عن فترة حكم الأشراف، إلّا أنك تلمح في بعض الحكايا جزءاً من الفوضى المسيطرة على النظام العام، وكذلك انعدام الأمن خارج حدود المدينة المنورة.

في رأيي أن المذكرات، كان من الممكن اختزالها في جزء واحد، وكان يمكن أن يتم الاستغناء عن كثير من المحاورات الثنائية لو تحدث عنها بلسان الراوي. كذلك كنت أتمنى لو خفف من اللهجة العامية لصالح الفصحى، لأن ذلك أدعى لانتشار الكتاب وتوسع قراءاته. خصوصاً وأنك تلمح في أفكاره الأدبية والفلسفية عمقاً لا يستهان به عندما يتحدث عن الأدباء والفلاسفة الكبار. ولعل ورثة عزيز يعيدون النظر في هذا الأمر.

بالمناسبة، عزيز ضياء تدرج في سلم الوظيفة العامة من موظف كاتب بسيط في مديرية الصحة العامة في مكة، حتى وصل إلى مدير الخطوط الجوية السعودية، ثم خرج من المملكة لمدة عامين، وعاد ليعمل في عدد من الوظائف التي أوصلته في النهاية إلى أن يصبح وكيلاً للأمن العام للمباحث والجوازات والجنسية قبل تغيير مسماها.