غالبا لا تكذب الألقاب والمسميات حقيقتها التي تسمت بشأنها، خاصة إذا ما كانت بالإجماع «متفق عليها»، إضافة إلى وجود ما يثبت ذلك ويدل عليه.

اليوم، نجد كثيرين يعجبون عند سماعهم لقب «اليمن السعيد»، إذ يرون واقع جمهورية اليمن حاليا لا يعكس ذلك، وبعيد كل البعد عن السعادة ومدلولاتها.

في بادئ الأمر، لا يمكننا أن ننكر على هؤلاء تعجبهم، كما أن حال اليمن اليوم لا يمحو تاريخ هذا البلد التليد، بلد الحضارات التي عاشت على أراضيه وما زالت آثارها شاهد عيان حتى الآن. اليمن السعيد لقب أُطلق على بلاد اليمن، واختلف المؤرخون اليمنيون حول تحديد سبب التسمية.


وفقا لبعضهم، فإن هذا اللقب أطلقه الإسكندر المقدوني حينما لم يستطع الاستيلاء على اليمن وفشل في غزوه. بينما يرى مؤرخون آخرون أن سبب التسمية كان لوجود سد مأرب وخصوبة أراضي اليمن، ولوفرة الخيرات والنعم فيه، مما جعله وأهله سعيدين وأطلقوا عليه «اليمن السعيد». ذلك قديما.

أما اليمن اليوم، فهو بريء من هذا اللقب بتاتا، بل هو أحق بلقب البلد الحزين، إذ لا تكاد تمر ساعات حتى تعلن النشرة الإخبارية عن تفجيرات وقتلى وهدم وتدمير قام به الحوثيون، وراح ضحيته عدد كبير من الأمهات والأطفال واليمنيين. لم يقف عبث الحوثيين عند هذا الحد، بل يعملون على تخريب كل ما تقع عليه أيديهم من نشاطات الحياة اليمنية كافة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، احتياجهم إلى التعليم الذي هو أساس عمران البلدان ورفاهيتها.

فبدؤوا بالتسلل إلى العقول اليافعة، والعبث بالفكر الديني، والتلاعب أيضا بالتوجه الفطري لدى الأطفال، من طلاب وطالبات المرحلتين التمهيدية والأساسية في المدارس، عن طريق تسميم محتوى المناهج الدراسية، وإجراء تغييرات طائفية في تلك المناهج، وشحنهم ضد وطنهم لحربه، وتأجيج الخلافات والانقسامات والحروب الأهلية، بدلا من أن يعمّروه وينهضوا به.

الحوثيون -رغم أنهم أبناء اليمن- إلا أنهم يسعون إلى تدميره وتخريب ثرواته الطبيعية، وقتل إخوتهم، والعمل في كل ما ينقص من وطنهم لا يرفعه. وللمفارقة فقط، عندما كان اليمن سعيدا، لم يستطع الغزاة الإغريق غزوه والاستيلاء عليه، كذلك فشل الرومان الذين أطلقوا عليه «العربي السعيد»، لوعورة أراضيه وصعوبة رجاله، بينما اليمني اليوم -الحوثي- أصبح أداة تستخدم في تدمير وطنه وتعريضه للحروب التي تستنزف مقدراته يوما بعد الآخر، ويتسلم الدعم الخارجي من قطر وإيران عبر سلطنة عمان، من أسلحة ومبالغ مالية وأجهزة وغيرها، لتساعدهم على أعمال التخريب وغيرها كثير. الحوثيون أبناء اليمن، استغلتهم إيران وزجّت بهم كأداه لتحقيق أهدافها وأنشطتها في الجزيرة العربية، وزعزعة استقرار المنطقة، وإحداث أعمال الشغب والتصعيد في مستوى العنف، واستنزاف مواردها.

رأينا ذلك في العراق ولبنان وسورية التي أحلوا بها الطائفية، محل العقل والانتماء إلى أراضيهم، فأصبحت النتيجة الحتمية، دمار وإفلاس وفقر وجوع وتشرد، وبلدان تفتقد الأمن غير قابلة للحياة الطبيعية.

أبناء الأرض هم أول عوامل نهضتها واستقرارها ورفاهيتها، وحتى قبل الثروات الطبيعية والنفطية والمعدنية. كل الأمل في أن يعود رجال اليمن أحرارا مستقلين من الفرس وأذنابهم، ويعود اليمن «السعيد» مرة أخرى.