من السذاجة أن نعتقد بأن حدودنا محصنة ضد حقد الأعداء وغيرة الأصدقاء، وأن نغفل أعيننا في زمن طغى خلاله الشر على الخير وتهاوى الحق أمام الباطل. بل من السذاجة حقاً أن نعتقد بأن حروب اليوم هي نفسها حروب الأمس، وأن غزو الأعداء لوطننا يتم فقط بواسطة الصواريخ والطائرات وجحافل الدبابات والمدرعات واحتلال الجيوش للمطارات والموانئ والطرقات.

حروب اليوم أصبحت أكثر دهاءً وأشد فتكاً من حروب الأمس، لأن أسلحتها الشريرة تعتمد على المخدرات والموبقات التي تغزو أسواقنا باستخدام أموالنا وتفتك بفلذات أكبادنا في عقر دارنا وتقضي بصمت مروّع على مقدرات مجتمعنا ومستقبل شعوبنا.

بسبب أسعارها الفاحشة، يحتاج سلاح المخدرات إلى الأسواق ذات القوة الشرائية العظمى والشعوب الأكثر ثراءً بين شعوب الأرض، لذا تأتي السعودية والدول الخليجية في مقدمة الدول المستهدفة بالمخدرات وعلى قائمة أولويات الأشرار.

في تقرير صادر عن الأمم المتحدة في عام 2011، وصل عدد مدمني المخدرات في العالم إلى 250 مليون نسمة، وفاقت قيمتها التجارية 2500 مليار دولار، لتساوي 20% من قيمة التجارة العالمية وتتفوق بذلك على تجارة النفط والغاز معاً وتعادل الناتج المحلي الإجمالي لحوالي 85% من دول العالم. وتقع دولة أفغانستان على رأس قائمة الدول المُنتجة والمُصَدِرة للأفيون بنسبة فاقت 87% من إجمالي الإنتاج العالمي، بل أصبحت افغانستان تمد العالم بحوالي 92% من مختلف أنواع المخدرات، لتشكل أحد أهم المعابر الدولية الرئيسة لتهريب الأفيون إلى 131 دولة حول العالم. وتأتي دولة مينمار (بورما) في المرتبة الثانية كأكبر معابر تهريب الأفيون إلى الصين وأستراليا، بينما تحتل دولة المكسيك المركز الثالث لعبور المخدرات إلى دول أميركا وكندا.

كما أورد التقرير أن قيمة عمليات غسل الأموال على مستوى العالم فاقت 5 تريليونات دولار سنوياً بسبب ارتفاع قيمة تجارة المخدرات بنسبة 50%، وزيادة قدرة الأجهزة الحكومية على مكافحتها والحد من تهريبها.

تقارير صندوق النقد الدولي أشارت إلى أن السعودية تربعت في العام المنصرم على المركز السادس عربياً والمرتبة 38 عالمياً من بين أغنى 182 دولة حول العالم، حيث وصل نصيب الفرد السعودي من الناتج المحلي الإجمالي إلى 23701 دولار في العام المنصرم. كما أصبحت السعودية ضمن أكثر أسرع أسواق دول العالم نمواً، التي تستحوذ على 38% من القوة الشرائية بين جميع دول العالم و55% من الاستثمارات الرأسمالية العالمية الثابتة. وتوقع التقرير نمو الأسواق السعودية بمعدل يفوق 6% هذا العام، أي ما يعادل أربعة أضعاف معدل نمو الأسواق الأوروبية وضعفي نمو الأسواق الأميركية واليابانية.

لذا ازدهرت تجارة الأشرار في السعودية، فخلال الأشهر الأربعة الماضية فقط، قبضت السعودية على 681 متورطاً في تهريب وترويج نصف مليار دولار من المخدرات، منهم 96 سعودياً، و585 من 33 جنسية مختلفة. تزامن هذا النجاح السعودي مع تصريحات السلطات الأردنية بأن: "النظام السوري يرعى موجات من عمليات تهريب المخدرات إلى دول الخليج العربي في محاولة منه لمعاقبة هذه الدول على مواقفها المناهضة للنظام". وكشفت هذه المصادر: "أن أكثر من 70% من المخدرات التي تدخل الأراضي الأردنية تكون موجهة إلى دول الخليج، لذا تشهد الحدود الأردنية الشمالية والجنوبية حراسات مشددة لمنع دخول المخدرات، والتي بدأت تتزايد كمياتها المضبوطة بعد تضاعف محاولات تهريب المخدرات بصورة لافتة منذ اندلاع الثورة السورية".

خلال العام الماضي، اتهمت مملكة البحرين إيران بأنها: "تقدم التسهيلات الرسمية لعمليات تهريب المخدرات لدول الخليج العربية عامة والسعودية خاصة، وذلك عن طريق البحر بزوارق إيرانية سريعة". وتشتهر إيران بصناعة المخدرات المستوردة من جارتها أفغانستان، حيث تفوقت في هذا المجال المتخصص على دول جنوب أميركا وأنشأت من أجل ذلك مصارف خاصة لدعم تجارتها، وغسل أموالها.

التحقيقات الأولية مع المقبوض عليهم أثبتت: "أن إيران تهدف من تصدير المخدرات لدول الخليج إلى تمويل عملياتها الإرهابية في المنطقة العربية وضرب المجتمع الخليجي من الداخل".

لذا بسبب قوة أسواقها الشرائية وقيمة ناتجها المحلي الإجمالي، إضافة لموقعها الجغرافي ومساحتها الشاسعة وطول حدودها البرية والبحرية، أصبحت السعودية من أكثر الدول المستهدفة في تجارة المخدرات.

إلا أن كميات المخدرات التي يتم ضبطها على الحدود السعودية، لا يمكن أن تكون أهدافها متجهة للكسب المادي فقط، بل أصبحت تهدف إلى تعميق القدرة التخريبية والتدميرية لأجهزة إيران الاستخباراتية لإلحاق الدمار بالمجتمع السعودي من الداخل.

هذه الحرب غير المعلنة تؤججها إيران لنشر الوباء بين صفوف أجيال الشباب السعودي وتدميره وتحويله إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل، ليسهل استخدامهم كأداة هدم وإجرام بدلاً من أداة بناء وتعمير. وهذه المخدرات التي تروجها إيران أصبحت أداة من أدوات حربها القذرة لإلحاق الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني والبنيان العائلي والاجتماعي والثقافي، إضافة للإخلال بالأمن والنظام ونشر الجريمة وحجب أنظار الأجهزة الأمنية عن مشاكلنا الحقيقية وإشغالنا في محاربة المخدرات من أجل استنزاف المجهود الأمني.

إيران هي العدو المباشر لدول الخليج، وعداؤها السياسي والإرهابي والعقائدي سوّغ لها إغراق دول الخليج بأنواع المخدرات القاتلة رغبة منها في ضرب المجتمع من الداخل، ما يستدعي تضافر جهودنا جميعاً مع الجهود الأمنية لتحقيق الحماية الشاملة للوطن، وقطع يد العابثين بأمنه، والساعين في خرابه من الداخل والخارج.