(أول ما نبدأ ويش نقول.. ألف صلاة على الرسول).. بهذه الكلمات عادة ما يبدأ اللعب بالمزمار الذي يجمع الرجال حول لهيب النار للتراقص بين نغمات «العدة» وكلمات «الزومال»، في قفزات خفيفة يمسكون بعصا «الشونة» التي تلف برشاقة حول معاصمهم.

وبعيدا عن الاختلاف في أصله، فقد كان المزمار طقسا شعبيا في الحجاز يجمع بين الفتوّة والرجولة وأصول وتقاليد الحارة وفق قوانين صارمة أثناء أداء اللعبة، يتصدرها العمدة وكبار الحي، ينظمون الأداء ويمنعون أي خروج عن تقاليد اللعبة، ثم مع تغير الحياة تحوّل المزمار من طقس شعبي حياتي إلى فن شعبي يحلو فيه الغناء، ويعلو التصفيق مع أنغام منبثقة عن قصص «قتالات» الأبطال وما تشهده من تحديات، لكن اللوحة الفنية الجميلة التي كانت تبهج القلوب وتجمع الناس حولها بالذات في جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف وينبع، تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى صورة سلبية بفعل الشجار بالعصي وتصفية الحسابات والخلاف حول اللعبة.

شجار وعنف

يشهد المزمار اليوم شجارات بين المتواجدين باستخدام العصي التي أعدت للرقص، وتتحول المناسبات السعيدة مثل الأفراح والأعياد إلى خلافات واشتباكات بالأيادي، يتعرض فيها البعض للإصابات، ويقاد المدعوون إلى قسم الشرطة، كما حدث في الطائف على سبيل المثال قبل سنوات قليلة في حفل شعبي تحول إلى شجار أمام الدوريات الأمنية.

شجارات شهيرة

لم تكن حادثة الطائف عندما أطلق أحد اللاعبين لفن المزمار النار وأصاب ثلاثة هي الوحيدة، بل حدث شجار شهير في حي الهنداوية بجدة، وفي مزمار المدينة المنورة، وأصيب أحدهم في جدة بغيبوبة بعد ضربه على رأسه بعصا المزمار، ولهذا ترك اللعبة بعض الرجال واعتزلوا رقصة المزمار، خاصة ممن تعرض منهم إلى شق في الجبين أو كدمات قوية في الجسد خلال مشاجرات غير متوقعة أثناء لعب المزمار.

حظر اللعبة

جرّت هذه الحوادث العنيفة إلى حظر اللعب بالمزمار عن الأداء، فغاب نحو 9 سنوات من 1398 إلى 1407، بينما كان البعض يقيمون أحيانا بين الفترة والأخرى ألعابا فيما بينهم، لكنها لم تكن كما كانت منتشرة في السابق، ثم تجددت العودة عام 1407 حين عاد الأفارقة في وقعة الداودية الشهيرة عند أهل المزمار.

مسؤولية وتعهد

يقول لاعب المزمار مسعود جواد، إن لعبة المزمار أصبحت تشهد مشكلات كبيرة جدا تصل إلى حد إسالة الدماء، كون اللعبة تتسم بالتحديات فتحدث بها الخصومات. وأصبح لاعبوها يأخذون الثأر من خصومهم فيها.

ويضيف «يغضب اللاعبون عندما يأخذ أحدهم الدور عليه، لأنها لعبة قانونية ولا يجب أن يتداخل لاعبوها في أوقات أو أدوار غيرهم. وهنا تحدث المشكلات والخصومات بسبب الحرمان من هذا الدور».

ويحكي «أن معظم هذا الفن أصبح تنتج عنه مشكلات كبيرة، بعد مرور دقائق على اللعب، وقد حدث حادث مؤخرا بأن ترك البعض اللعبة واتجهوا إلى مواقف السيارات وضربوا بعضهم بالعصي الحديدية، ذلك أن 3% من العصي تكون حديدية، بينما البقية مصنوعة من الخشب، وتتراوح أسعارها بيت 300 و5 آلاف ريال».

ويقترح جواد وهو صاحب فرقة مسعود جواد الشعبية، أن يعقد اجتماع يضم عدة جهات حكومية أهمها إمارة المنطقة لوضع ضوابط وتحميل العقلاء عن كل حي أو حارة المسؤوليات والتعهدات.

وكان المزمار قد ألهم الفنانين وغيرهم فأنتجوا أعمالا ترصده، ومنهم ضياء عزيز الذي رسم لوحة حملت عنوان «راقص المزمار».

وضع ضوابط

يوضح المستشار الأمني اللواء متقاعد مساعد العتيبي في حديثه إلى «الوطن» أنه في أواخر التسعينات الهجرية تم منع لعبة المزمار الذي كان يعبر عن الفتوة في الحي، ويقول «لا أحبذ منع المزمار لأنها فن كالعرضة النجدية والجنوبية، إنما يجب وضع ضوابط لأنها تذكرني باستخدام السلاح في المناسبات، والذي يؤدي أحيانا إلى إصابات وكوارث».

ويضيف العتيبي أنه يرى أن يتم ترشيد استخدام أدوات الرقص، كأن يتم استبدال العصي الخشبية بأخرى بلاستيكية، كما يمنع «شب النار» واستبدال هذه العملية بموقد كهربائي، مضيفا على ضرورة تغليظ العقوبة لمن يمارس المشكلة هذه، ومنع الأشعار التي تتكون من كلمات غير لائقة ومستفزة، وأن يتم تطوير الأدوات من حيث الموقع والإضاءة، لافتا أيضا إلى أهمية أن يكون هناك إشراف أمني، أو على أقل تقدير يتم تحت إشراف عقلاء الأحياء أو «عمدة الحارة».

احترام النظام

من أشهر لاعبي المزمار في الوقت الحالي، المعلم رضا زيتوني، الذي تعلم هذا الفن من المعلم أحمد الشنو.

يشدد زيتوني على ضرورة نقل الصورة الإيجابية عن اللعبة واحترام نظام البلاد، مؤكدا على أهمية الحفاظ على الأمن والأمان الذي يحرص عليه خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، لافتا إلى أن هذا الفن هو من التراث، وجماله في اللعب والترفيه دون أي شجارات، بل اللعب بالأدب والتقدير.

- وقعت حادثة الطائف عندما أطلق النار أحدهم وأصاب ثلاثة

- حدث شجار شهير في حي الهنداوية بجدة وفي مزمار المدينة المنورة

- أصيب أحدهم في جدة بغيبوبة بعد ضربه على رأسه بعصا المزمار

- بدأ البعض يعتزل اللعبة للمخاطر والمشاجرات غير المتوقعة فيها

- لا بد من استبدال العصي الخشبية ببلاستيكية وتغليظ عقوبة المخالف

- وضع ضوابط أمنية للحد من انتشار العنف، منها الإشراف الأمني