جبلا النور وثور ارتبطا بسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويشكلان مع كثير من الأماكن التاريخية معالم متفردة ومميزة، تجذب الزوار والمعتمرين على مدار العام. فما من جبلٍ ولا وادٍ ولا شعب ولا بطحاء في مكة المكرمة، إلا وله قصة مع بزوغ الإسلام، إلا أن هذين الجبلين تحيط بهما المباني، وبعضها عشوائية تقطنها العمالة التي اتخذت منها منطلقا لتجارتها غير المنظمة، من بيع للمياه والميداليات والكتب والصور وما إلى ذلك، فضلا عن خطورة ووعورة الوصول إلى موقعي حراء والثور، ومعظم من يتولى الإرشاد السياحي في هذه المواقع من جنسية الوفود والزوار، وربما يلقنونهم معلومات خاطئة تقودهم إلى كثير من البدع، كل ذلك دعا كثيرا من المختصين والمهتمين بالتاريخ والشريعة والسياحة، إلى الدعوة لتكاتف الجهات المعنية ذات العلاقة، للوقوف على ما يقدم من خدمات في جبلي النور وثور، وهو ما تعمل عليه الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، لخدمة وإثراء تجربة الحاج والمعتمر والزائر في رؤية 2030، التي من اهتمامها بمواقع التاريخ الإسلامي الوصول بعدد المعتمرين إلى 30 مليونا وأكثر من 7 ملايين حاج.

منهي عنه

أوضح وكيل كلية الشريعة للدراسات العليا بجامعة أم القرى الدكتور محمد السهلي لـ«الوطن»، أن الغلو والبدع في زيارة الآثار الإسلامية -كغار حراء وجبل ثور- أمرٌ منهي عنه.

وأشار السهلي إلى أنه لا مانع من زيارة هذه الآثار من باب التعرف عليها وتعريف الأجيال بها، ومعرفة أحداث وقعت خلال فترة الدعوة إلى الله -عزّ وجلّ- وعن صعود الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا الجبل الشاهق، وذلك لعبادة وطاعة الله عزّ وجلّ.

ربط الغارين

يقول المرشد السياحي والباحث والمهتم بمعالم السيرة النبوية الدكتور سمير برقه لـ«الوطن»، إن غار ثور «جبل ثور» هو الغار الذي نزله سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع صاحبه سيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ومكثا فيه 3 ليال، وفيه نزلت «إذ هما في الغار إذا يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا».

وأضاف، بأنه لا يخفى عن أحد قصة العنكبوت التي نسجت خيوطها على مدخل الغار، وكذلك الحمامة، ومنه بدأت الهجرة في الأول من ربيع الأول إلى المدينة المنورة، مبينا أن الغار يشهد حراكا واضحا من زواره، وهو أكثر وعورة وصعوبة من غار حراء، سواء كان في الارتفاع أو طرق الصعود، وقد زحفت المباني على بداية سفحه، موضحا بأن هناك مشروعا لربط حراء والثور بتلفريك.

مواقف للحافلات

أكد برقه، أن الجبل شهد سقوط كثير من الزوار لافتقاده إجراءات السلامة، والكل يترقب تطويره والعناية به وبمحيطه، خلال إقامة متحف مع سهولة الوصول إلى الغار من خلال التلفريك، وتمهيد الأراضي التي حوله وتنظيفها، مع توفير مواقف للحافلات، لا سيما أن المكان يشهد ازدحاما كبيرا.

وأشار برقه إلى أن الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تضع تلك الأماكن التاريخية نصب أعينها، ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن لإثراء تجربة الحاج والمعتمر والزوار، لا سيما ونحن نشهد تحقيق رؤية 2030 التي من اهتماماتها مواقع التاريخ الإسلامي.

الآثار التاريخية

رصدت «الوطن» في جولة ميدانية حرص كثير من الزوار والمعتمرين على زيارة غاري حراء وثور، إذ توافدوا بالآلاف على الآثار التاريخية لما تتركه من أثر عميق في نفوس المسلمين، حيث تعج المواقع المحيطة بغاري حراء وثور بحركة دؤوبة للزائرين والمعتمرين، الذين يتوافدون عليهما يوميا منذ ساعات الصباح الأولى، بحركة لا تنقطع، في دلالة عميقة توضح شغف المرتادين بالاطلاع عن كثب على ما يحويه هذان الموقعان من حدث تاريخي لسيرة المصطفى «صلى الله عليه وسلم».

والتقت «الوطن» عددا من مرتادي هذه المواقع، وتحدث المواطن مجاهد المرزوق عن أهمية هذه المواقع التاريخية كغارين في الجبلين «حراء وثور» والذي يعطي انطباعا إيجابيا للزائر والحاج والمعتمر، ويؤصل المكانة العظيمة لهذه المواقع التاريخية لدى عموم المسلمين في أقطار العالم.

وناشد المرزوق الجهات المعنية بتكثيف العناية بهذا المواقع الأثرية المهمة، من حيث تطويرها والسعي إلى توفير وسائل نقل حديثة ومتطورة، عبر العربات المعلقة كالتلفريك ونحوها، وذلك للتسهيل على الرواد التنقل من وإلى جبلي حراء وثور.

صورة سلبية

تحدث ياسر بن لسود، من قاطني حي جبل النور، قائلا: إن الموقع تحيط به كثير من العشوائيات وينقصه بعض التنظيم، مما قد يعكس صورة سلبية لا تليق بقدسية مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وهذه المواقع التاريخية الأثرية، مناشداً في الوقت نفسه بأن تتخذ الجهات ذات العلاقة كل التدابير لضمان سلامة رواد الجبل، في ظل غياب وسائل واشتراطات السلامة، ووعورة الطريق المؤدي إلى الجبل.

وذكر بأنه قد يتعرض زوار جبل حراء من الحجاج والمعتمرين لحوادث السقوط والاحتجاز والإعياء، مبينا على الصعيد ذاته بضرورة إيجاد فرق ونقاط إسعافية على امتداد الجبل في حال تعرض أحد الزوار للسقوط وما شابه ذلك.

مدير مركز تاريخ مكة: نمتلك متحفا مفتوحا ومميزا لا مثيل له في أي دولة

سجل حضاري

قال المدير العام لمركز تاريخ مكة المكرمة الدكتور فواز الدهاس لـ«الوطن»، إن الاهتمام بالآثار من الأمور المهمة جدا، إذ إنها السجل الحضاري لكل أمة على وجه هذه البسيطة، مشيرا إلى أن الدول الغربية وغيرها من الدول الإسلامية تبذل كل ما لديها من إمكانات لبناء متحف وطني يعبر عن تراث الأمة، وربما تصرف مبلغا يضاهي المبلغ الذي صرفته على بناء المتاحف، وذلك للحصول على المقتنيات لعرضها في تلك المتاحف.

وأضاف، إننا في مكة المكرمة -ولله الحمد- نمتلك متحفا مفتوحا ومميزا قد لا يتوفر في أي دولة من دول العالم، إلا وهو الآثار الباقية التي ترتبط بسيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فما من جبل ولا وادٍ ولا شعب ولا بطحاء في مكة المكرمة إلا ولها قصة مع سيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم.

وأبان أن جبل غار حراء سمي بجبل النور لدى العامة، لأن القرآن نزل فيه، مفيدا بأنه إذا أتينا للجبال فهناك جبل حراء الذي به الغار الذي تعبّد فيه المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أو غار ثور الذي أختبأ فيه وكان انطلاقا للهجرة النبوية، أو جبل الرحمة في عرفات، أو أيضا شعب بني هاشم الذي شهد أول حصار اقتصادي للإنسانية في العالم، أو أيضا البطحاء التي شهدت مشاهد تعديد صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

لكل موقع قصة

تحدث الدهاس بأن لكل موقع من مواقع مكة المكرمة إلا وله قصة وتاريخ، فجبل حراء الذي يقع في الشمال من مكة المكرمة جبلٌ يشكل الحد الغربي لوادي إبراهيم، لأن وادي إبراهيم يأتي من الشمال من منطقة الشرائع، ويتجه جنوبا حتى إذا جاء محاذيا جبل حراء أصبح حراء الضفة الغربية لهذا الوادي. ويقابل حراء من الناحية الشرقية جبل يمثل ضفة وادي إبراهيم الشرقية.

وأفاد بأنه بعد جبل حراء بأقل من كيلومتر ينحرف الوادي إلى الغرب ويعتدل السير، ثم ينحرف جنوبا مرة أخرى، بحيث أن الصاعد لجبل حراء والداخل إلى هذا الغار لا يحجبه حاجب عن الكعبة المشرفة، ولعل هذه الميزة التي اختار رسول الله -عليه الصلاة والسلام- من أجلها هذا الموقع.

فهذا الجبل الشاهق الذي صعد المصطفى عليه، كان خارج مكة في تلك الفترة، لأن فطرته السليمة رفضت ما كان يمارسه المجتمع المكي من عبادة الأصنام والأوثان.

نبذ البدع

أشار الدهاس إلى أن عليه الصلاة والسلام استمر في هذا الجبل فترة وجيزة حتى نزل عليه القرآن، ثم نزل من هذا الجبل، وبدأت دعوته ولقي ما لقي عليه الصلاة والسلام.

وهذا الجبل -جبل حراء- ما زالت الوفود من الحجاج والمعتمرين يصعدون عليه يوميا من كل الأجناس، ولعل اللافت أن كل فئة من فئات المعتمرين والحجاج يأتي مرشدهم السياحي من جنسيتهم، وربما يلقنهم معلومات خاطئة، وربما هذه المعلومات تقودهم إلى كثير من البدع والشركيّات، وهذا مالا نرضاه نحن في هذا البلد. وكذلك الحال في جبل ثور الذي يقع جنوب مكة، وصعد عليه المصطفى -عليه الصلاة والسلام- وصاحبه أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- عندما أُمر بالهجرة إلى المدينة المنورة، وبذلت قريش من الجهود مُحاوِلةً أن تقف أمام رسول الله والوصول والخروج من مكة، ولكنها لم تستطيع.

وتطرق الدهاس إلى أن هذين الموقعين يمثلان تحولا كبيرا في حياة المسلمين. جبل حراء حيث نزل القرآن، وجبل ثور حيث كان الانطلاق للهجرة النبوية. مضيفا بأنه قد تعرض هذان الجبلان لإقامة كثير من المباني حولهما، وربما حتى مبان عشوائية، بعضها في جبل حراء، وقد يقطنها كثير من العمالة التي وضعت في تلك المباني المتهالكة تبيع المياه والميداليات والكتب والصور وما إلى ذلك، بطريقة عشوائية وبدائية.

صالات عرض

أوضح الدهاس، أنه لا بد من التفات الجهات المسؤولة إلى هذين الموقعين كمثال، ربما يسري على جميع المواقع التاريخية بأن يكون لكل موقع حرم معين وحدود لا يمكن ولا يسمح بتخطيها، وتُخطَّط من الجهات المسؤولة، بأن يبنى حول هذا الحرم بإزالة الأماكن المحيطة، وتصبح هناك صالات عرض تعرض قصة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- من حيث كيفية الهجرة وكيفية الوصول إلى جبل حراء، وكيف كان يعاني عليه الصلاة والسلام من الصعود والنزول إلى هذا الجبل، ووحدته في هذا المكان الموحش، الذي يقع خارج النطاق العمراني في ذلك الزمان.

وقال الدهاس، لو حاولنا استغلال هذه المناطق التاريخية وتحسينها، بأن تبنى صالات للعرض، أحدها في جبل حراء لرواية قصة نزول القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- ونزول جبريل عليه السلام ثم بدايته للدعوة. وكذلك في جبل ثور وكيف صعد عليه الصلاة والسلام على هذا الجبل، وكيف اختبأ فيه، وكيف كان هو وصاحبه في معيّة المولى تبارك وتعالى.

توحيد النصوص

دعا المدير العام لمركز تاريخ مكة المكرمة، إلى توفير مطاعم ودورات مياه ومكاتب إرشادية وإرشاد سياحي، فلا يمكن أن نقضي على البدع والشركيات التي نتخوف منها وهي حاصلة إلا بتأهيل الشباب السعودي تأهيلا سياحيا علميا صحيحا، بحيث يكون الشاب الذي يتولى الإرشاد السياحي في هذه المواقع السياحية في مكة المكرمة، أن يكون بخلفية سياحية وتاريخية وشرعية، وأن نوحد النصوص التي تلقى على المعتمرين والحجاج والزوار، وأيضا تطبع كتيبات باللغات المختلفة، وتشكل لها لجان متخصصة تضع النصوص الصحيحة حتى نستطيع أن نقضي على هذه البدع والشركيات التي نتخوف منها دائما، ولا بد أن نؤهل أبناءنا الشباب لهذا الإرشاد، ولا بد أن نعد -كمتخصصين- النصوص التاريخية لكل موقع، خلال لجنة متخصصة شرعية تاريخية، بحيث نعطي السائح والمعتمر والزائر معلومات صحيحة بعيدة عن الخرافة والخيال، ويجب أن تكون في هذه المواقع مرافق عامة، تخدم هؤلاء الزوار والمعتمرين والحجاج، وهذه المواقع التاريخية الأثرية.