جدة ليست إتي وبحر أو أهلي وبحر، كما يردد أهلها المنقسمون بين الاتحاد والأهلي، والمتفقون على أمور أخرى تجعلك تتفهمها؛ لأنك تدرك أنك في جدة، كأن يدعوك صديق لفنجان قهوة الساعة العاشرة ليلاً، وسيتجاهل كلياً اعتراضك، فجدة تحمل صك الاختلاف أدركت أو لم تدرك ذلك.

أقول لصديقات قهوة العاشرة ليلاً في جدة، إنني لاحظت كلما فتحنا باب مقهى في التحلية أو شارع الملك أو الأمير سلطان أو على شاطئ البحر، فإن ثمة ابتسامة تحية تستقبلنا، يقول أصحابها «مرحباً أيتها السعوديات»، ثم يعتدلن في جلساتهن، ويتأكدن من أناقتهن قبل أن تقول اللحظة كم افتقدنا ذلك.

في رواية فرنسية يتخيل السجناء وجود امرأة معهم في العنبر، فيتغير حالهم تماما، يبدؤون بغسل ملابسهم وترتيب أسرهم، ويسكت بعضهم البعض عندما ينطقون بكلمة قبيحة بقول اصمت هنا فتاة، آمر السجن يعرف هذا الموضوع، فيمثل هو الآخر تصديقا لهذه الكذبة، ويحقق معهم ليعرف مكانها، لكنهم يرفضون الاعتراف ويعودون لزملائهم بعد ضربهم بشدة وهم فخورون برجولتهم، وأنهم لم يشوا بفتاة ويتسببوا لها بالأذى.

ربما هذه الرواية اللطيفة خيالية، لكن الواقع يؤكد حاجة الرجال لوجود النساء في المجتمعات في مجال العمل، أوحتى أن يجلسن مجتمعات على طاولة أخرى في مقهى مفتوح. يصبح الرجال أجمل وأكثر تهذيبا واهتماما بإثبات رجولتهم وشجاعتهم وحسن تربيتهم عندما توجد نساء، فبضدهن تتمايز الأشياء!؟.

للأسف عانى المراهق السعودي خاصةً من هذا الغياب القسري للجنس اللطيف، فرأينا عاهات حقيقية لا أظنها موجودة في أي مجتمع، مثلما وجدت عندنا، بسبب مرحلة صعبة مرت بها بلادنا، تم فيها دفن النساء وتشبيحهن لصالح الإسلام السياسي الذي خطط لتحويل صغارنا إلى إرهابيين، وليسوا شبابا يحلمون بزوجة وأسرة. لا أعرف كيف سقطنا في هذا الفخ الذي أدى إلى كل هذا الألم واللانضج في العلاقات، والذي نحتاج لمعجزة لننجو منه الآن، أو ينجو صغارنا من الفتيان والفتيات بالأحرى.