في القرون الوسطى، سار بعض المفكرين المسلمين على المنطق الأرسطي القائل: «إن الحقيقة مطلقة، وإن العقل البشري قادر على اكتشافها والنظر فيها». وكذلك، فإن بعض الوعاظ والمستبدين ساروا على نهج هذا المنطق لبعض فلاسفة الإغريق القدماء، هذا المنطق المناقض للواقع، والذي جعل تفكيرهم غائيا يبحث في الأمور المنتهية دون فحصها وتمحيصها ومعرفة تفاصيلها، وقد ساعد ذلك في تأخر نشأة العلوم الاجتماعية التي برز خلالها المفكر الفيلسوف «ابن خلدون» حين رفض هذا المنطق ووضع مكانه فلسفة مبنية على الواقع الاجتماعي بتفاصيله المتغيرة، وما تحويه من أحكام ومسائل.

إن الحكم الأول والنهائي على الأمور، أو تعميم فكرة من الأفكار -القابلة للتغيير- هو ديدن البعض من قديم الزمان، وما زال، إذ نجد هذا المنطق يتمثل في سلوك الأفراد الذين يميلون إلى الجدل والوعظ والنقد، وتتبع عيوب الآخرين وإظهارها، ويناقضون أنفسهم حينما يزعمون ظاهرا بأنهم يبحثون عن الحقيقة، ولكنهم في عقلهم الباطن «اللاشعور»، متوارثين هذا المنطق ومتأثرين به، ومترسخا في أعماقهم، ويظهر ذلك جليا في واقعنا وخلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا المنطق كذلك حاضر بقوة عند تناول قضايا المرأة، حتى إن أحدهم -مثلا- يتحدث بصيغة التعميم، ويحكم على أن كرامة المرأة وعزّتها في بيتها، وكأنه ينفي عكس ذلك. وهم -بلا شك- ضحايا بسبب نشأة تربوا عليها، أو هوى يخيّل لهم امتلاك الحقيقة!.

ومثل هذا الربط -بلا شك- خاطئ، فالوقت قد تغير بسبب التحولات الاقتصادية وضغوطات الحياة ، وتناول مثل هذه القضايا هو اختبار حقيقي للثقافة الذكورية المتناقضة، حين تُزرع ثقافة تهميش المرأة واستنقاصها في اللاوعي المجتمعي، وكأنه لا قيمة لها!.

وأحيانا، نرى مظاهر هذا المنطق يتمثل في المرأة نفسها تجاه بنات جنسها، حينما تقسو عليهن وتصنفهن وتصدر الأحكام المطلقة على من يخالف فكرها وقناعاتها، كقول إحداهن وهي تنتقد كاشفات الوجوه حولها: «أكفر ولا أكشف وجهي!»، وهي أيضا ضحية لتلك الأفكار، على الرغم من أن الحقيقة نسبية وقابلة للتغير الزماكاني.