تتوالى حينا بعد آخر سقطات قناة الجزيرة «القطرية» القائمة على أجندة «تنظيم الحمدين» السوداوية. كشفت الأزمة الخليجية عن وجوه، وأسقطت الأقنعة عن وجوه، كان لها الفضل في فضح «المرتزقة» المملوكين للمال السياسي القطري، ممن يُعرفون بـ«عرب الشمال» من العاملين في تلك القناة. كان للأزمة بالمقابل الفضل في تعزيز الوطنية لدى طرف آخر. «لدى السعوديين» على وجه التحديد.

يتباكى البعض من العاملين في القناة المقيتة كثيرا على العروبة والقومية، ويتظاهر البعض الآخر منهم بالنضال «الأُسري»، استنادا إلى تاريخ مُزيف. كُشف أمرهم مؤخرا. تلك «الفرقة» التي شكلها بعض «المشردين الفشلة»، سقطوا أمام القوة الإلكترونية السعودية «الفردية»، التي فضحتهم وأذاقتهم الأمرّين، لخواء مشروعهم مدفوع الثمن بالباطل.

نعتوا المدافع السعودي عن وطنه بـ«الذباب الإلكتروني». وصفٌ لم يكُن له أدنى تأثير على «المغرّد» الوطني، وتجاوزه السعوديون -نساءً ورجالا- ومضوا في مشوار الذود عن وطنهم.

إن افترضنا أن من يدافع عن وطنه «ذباب إلكتروني»، فمن باب أولى أن نتساءل، عن الصفة التي يمكن إطلاقها على من تخلى عن وطنه وقضاياه، وأخلص لقضيةٍ ليست قضيته، لا من قريب ولا من بعيد!، أتصور حتى مصطلح «مرتزق» يفوق قيمته الأخلاقية، وربما حتى الإنسانية.

لا علاقة لهم بقطر ولا بأهل قطر. وضعوا أنفسهم في خط الدفاع الأول عن سياسات نظام الدوحة المُثبت دعمه للإرهاب. كل ذلك كونهم مأجورين «مدفوعي الثمن».

يدّعون الحرية والحياد، وهم أبعد ما يكونون عن ذلك. هربوا من أوطانهم وقضايا تلك الأوطان، مقابل حفنة من المال «السياسي القطري»، بعد أن أمضوا سنوات وعقودا في التسكع في شوارع لندن الفارهة.

من التناقضات القائمة على «المال القطري»، خلال فترةٍ زمنية مضت، كان البعض من «عرب الشمال» العاملين في قناة «جزيرة الحمدين»، يستميت في الدفاع عن السعودية، على رغم عدم حاجتها إليهم، لوجود ملايين المخلصين من أبنائها. ما إن تحولت البوصلة القطرية «الحمدية» للخصومة مع السعودية والخليج، واتجه حاكم الدوحة صوب إيران، حتى صار المنافحون عن السعودية فيما مضى، يعملون ضدها، وأصبحوا أبرز المحابين لنظام الملالي في طهران والمدافعين عنه. تناسوا أن هذا النظام قتل وشرّد ملايين السوريين، ويعمل منذ سنوات على إشعال الفتن في العراق عبر دعم ميليشيات متطرفة، وعطل الحياة في لبنان وقسّمها على أساس «طائفي مذهبي»، وتاجر بالقضية الفلسطينية، دون أن يطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، ودفع بجماعةٍ مارقة في اليمن، فككت البلاد وشردت العباد وانقلبت على الشرعية، ومنحتها المال والعتاد، بعد أن أمضت عقودا لا تملك إلا شعار «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل».

ذات ليلة، أبرزت «قناة الحمدين» في برنامج «ما خفي أعظم»، والذي يقدمه إخوانيٌ صغير، رجلُ أمنٍ فرنسي يدعى «بول باريل»، على أنه قائد لمرتزقةً دفعت بهم -كما تدعي- بعض دول الخليج للانقلاب على حمد بن ثاني، المُنقلب أساسا على والده، وقدمته على أنه قائد لثُلةٍ من المأجورين لتنفيذ تلك المحاولة التي جرت في الدوحة عام 1996.

بعد أشهر، خرج بول باريل في البرنامج ذاته، وأظهرته الجزيرة على أنه قائد لفريقٍ فرنسي، قاد عملية فك حصار مكة، التي قام بها جهيمان العتيبي وزمرته عام 1979. في الحالة القطرية كان مرتزقاً قائداً لمن هم مثله من المرتزقة، وفي الحالة السعودية تم تصويره على أنه البطل المنقذ!.

وعلى الرغم من بطلان وزيف تلك الرواية، إلا أن «المغرّد السعودي» وقف كعادته أمام الادعاءات مدفوعة الثمن تلك وراسميها، وخاب مسعاهم ورُدت أكاذيبهم إلى سواد وجوههم. أستذكر خروج اللواء المتقاعد محمد النفيعي قائد الوحدة الخاصة التي طهرت الحرم من براثن تلك الحادثة، في حديثٍ مطول - خلال يونيو الماضي- أجراه معه الزميل محمد سعود في صحيفة عكاظ، ونسف كل ما رُوّج ويُروّج له، حول وجود غير سعوديين شاركوا في عملية التطهير. قال الرجل بالحرف «يكذب من يقول إن هناك جنوداً فرنسيين أثناء تطهير الحرم المكي».

في المشهدين تأكيدٌ على أمرين. الأول: السقوط الأخلاقي المدوي للقناة في وحل المراهنات السياسية «الحمدية»، مقروناً بتعمد استغباء المشاهد العربي، من خلال ادّعاء المصداقية والشفافية والحياد. وهذا أمر ليس بحاجة إلى أدلة. وفي الثاني: انبطاح العاملين في تلك القناة الكامل للأجندة القطرية والمال السياسي القطري، وهو ما يخالف ادعاءاتهم بأن القناة منبر إعلامي حرّ، لا يخضع لأي سياسة أو أجندة معينة. هذا كذب في وضح النهار.

أنا على يقينٍ تام، أنهم ومن قام بشرائهم في الدوحة ودفع قيمتهم الأخلاقية، أقل وأبسط من التفكير بهم. وعلى الرغم من أني أستكثر عليهم شرح حالتهم البائسة، تعاملت معهم من باب التسلية وكتبت هذه السطور. لذا كان ذلك مقامهم.. وأدنى وأقل. وإلى نضال جديد.