تفحّصت واقعنا جيدا، فوجدت أننا أُمة حباها الله من النعم الكثير، قيادة رشيدة لم تأل جُهدا إلا وبذلته في صالح الوطن والمُواطن، دولة بها كثير من الخيرات الظاهرة والباطنة، اقتصاد قوي وبنى تحتية هائلة وميزانيات «ترليونية» مُتعاقبة، حتى أصبحت من أقوى اقتصادات العالم، كيف «لا» ونحن ضمن مُنتدى عالمي يضُم مجموعة الدول المُتقدمة «مجموعة العشرين»، والتي ستتولى مملكتنا الحبيبة رئاستها «2020».

تتبعتُ، فوجدت أن لدينا عشرات الجامعات الحكومية والخاصة، بمدن جامعية مُتكاملة، وإمكانات مادية كبيرة، وتجهيزات على أعلى مستوى، وبنى تحتية هائلة، شملت كل التخصصات العلمية، ومع هذا فما زلنا نبعث الآلاف من أبنائنا للغرب والشرق للدراسة، قلت لعل الخلل في عدم وجود أعضاء هيئة تدريس، فوجدت أننا الدولة الوحيدة في العالم التي جُلّ أعضاء هيئة التدريس في جامعاتها من خريجي الجامعات الغربية.

امتد بي التفكير العميق خاصة في ضوء مُتطلبات رؤية المملكة«2030»، ليكون اقتصادنا مٌتنوع المصادر «لا بتروليا» فقط، فقلت في نفسي لماذا -وفي ظل هذه الإمكانات الهائلة- لا تُصبح جهة الابتعاث العالمي «سعودية» التوجه، ويُصبح التعليم عندنا رافدا اقتصاديا كبيرا؟

هنا حققنا أمرين في غاية الأهمية، أصبح «زيتنا في دقيقنا» بحفظ الموارد المالية التي تُصرف على الابتعاث، وفي الوقت ذاته أصبح لدينا ريع «اقتصاد» معرفي استثماري.

يمتد الأمر ليشمل الصحة، لدينا بنى تحتية صحية مُتقدمة، ولدينا مُستشفيات تخصصية ومرجعية، ومدن طبية وقطاعات صحية مُتنوعة، عامة وخاصة، «سعودية» الإدارة والتطبيب، وما زلنا نرى أبسط مسؤول في النظام الصحي لا يثق في مُخرجات قطاعه، ويُرسل أهله وذويه وعشيرته إلى العلاج خارج المملكة، حتى في دول أقل منا في الإمكانات الصحية المادية والبشرية، وما زلنا نرى هناك هيئات صحية تُعنى بالعلاج في الخارج ولا يُعرف السبب!، رغم أننا الدولة الوحيدة التى جُلّ مُمارسيها الصحيين من خريجي الغرب، ويحملون أعلى الشهادات التخصصية في علوم الطب والصحة، والذين تحول بعضهم -للأسف- إلى «إداريين صحيين»، وهجروا مهنة المداواة!، تُصرف على ذلك ميزانيات هائلة، فلماذا لا يُصبح «زيتنا في دقيقنا» ونُعالج مرضانا في مشافينا؟

امتد بي التفكير العميق للتساؤل: لماذا لا نكون دولة مُصدرة للصحة والتعافي، خلال جلب مرضى الكرة الأرضية للعلاج عندنا؟

يشمل الأمر التدريب الصحي، فلماذا لا تُوجه بوصلة التدريب الطبي والصحي تجاه مملكتنا الحبيبة، لنجد مُمارسي العالم «تحفى» أقدامهم للحصول على مقعد تدريب لدينا؟ هنا أيضا حققنا الكثير، حفظنا مواردنا المالية التي تُصرف هناك، وحققنا ريعا «اقتصادا» صحيا تدريبيا استثماريا.

لم ينته التساؤل، ليشمل التنمية الإجتماعية، فلدينا فئات من أحبابنا وفلذات أكبادنا لديهم قصور حسي أو حركي أو معرفي، ولدينا بنى تحتية ومنشآت مادية وإمكانات هائلة، وما زلنا نرى كثيرا منهم يعيش خارج هذا الوطن للتأهيل والإقامة، وتصرف عليه دولة الإنسانية الكثير، فلماذا لا يبقى «زيتنا في دقيقنا» ونقوم بالمهمة نفسها رغم إمكاناتنا الهائلة؟

ويمتد التساؤل: فلماذا لا نُصبح دولة تُشد لها الرحال طلبا للتأهيل؟ ليصبح لدينا ريع «اقتصادي» تنموي اجتماعي استثماري.

نملك شركات عملاقة مُنتجة ومُصنعة، ومصارف عالمية، ومعهد إدارة ومعاهد تقنية وصناعية، وما زلنا نرسل مُوظفينا لدورات تدريبية على رأس العمل خارج الوطن لمزيد من التطوير، ماذا ينقصنا لو حفظنا «زيتنا في دقيقنا» وقمنا بتطوير تدريب نوعي، في ظل وجود الكفاءات السعودية في قطاعات البترول والصناعة، وعالم المال والأعمال والصيرفة والإدارة «لنا» بداية، ثم استجلاب العالم للتدريب هنا في السعودية العظمى؟ ليُصبح لدينا ريع «اقتصادي» تدريبي استثماري.

لماذا لا نُخطط ونقوم بعمل ما يلزم تجاه ما ذكر وأكثر؟ لماذا لا نبني شراكات عالمية لتحقيق هذه الأهداف مُشاطرة مع رواد وبمرجعيات؟ لنُصبح بلدا مُتطورا «Developed»، فقد سئمنا أن نكون بلدا ناميا «Developing» يُصدر المعرفة والصحة والتنمية والقوى البشرية والحضارة، أسوة بالبترول ومُشتقاته؟ ماذا ينقصنا؟

إنني على يقين أن هناك إجابة لهذه التساؤلات المطروحة أعلاه كافة، لعل الوزراء المعنيين في التعليم والصحة والعمل والتنمية الاجتماعية والاقتصاد والاستثمار، هم أعلم بالإجابة ممن سواهم، وأطلب منهم السعي الحثيث إلى تحقييق هذه التطلعات «عاجلا» لهذا البلد العظيم، لتتحقق رؤيتة «2030» الطموحة، كما رسمها قادتنا -حفظهم الله- وكما يتوقعون منا.