تعيش المملكة هذه الأيام أجواء انتقالية محملة بتقلبات جوية وتباين في درجات الحرارة، هذه المرحلة من أحلك المراحل التي يعاني فيها الفرد مع جهاز التكييف فتارة يتم تشغيله وتارة يتم إطفاؤه حسب التغيرات التي قد تصل إلى أربع فصول في اليوم الواحد. هذه الفترة تحمل العديد من المشاكل الصحية التي قد تختلط على البعض لتعدد أعراضها وتداخلها مع أمراض أخرى فيتم التهاون في التعامل معها وتأخير زيارة المرفق الصحي على أمل بأن إطفاء المكيف وتناول حبتين من المسكن ودهان ستفي بالغرض. هذا التأخير قد يتسبب في ضياع الساعة الذهبية التي متى ما تم إعطاء العلاج اللازم خلالها فإنها تقي باذن الله من الإعاقة الدائمة ورحلة طويلة من إعادة التأهيل. تتعدد الساعات الذهبية في علم الطب، ومن أهمها الساعة الذهبية للجلطات الدماغية وخاصة الصغرى منها.

جسد الإنسان غالبا ما يقوم بإعطاء التنبيهات بما يمر به من خلل وعطل، ولكن الإنسان لا يستطيع فهم لغة لا يفقهها ولغة الجسد هي أعراضه. يعتقد البعض أن أعراض الجلطات الدماغية هي فقط ما يتم تداوله بالمنشورات - التي غالبا لا تقرأ - كميلان في الوجه مشابه لشلل العصب السابع أو ما يسمى بالعامية (أبو وجه) وضعف في إحدى الذراعين وصعوبة في النطق وهي أعراض مهمة ولكن أهميتها تكمن في عامل "الوقت"، فمتى ما ظهرت هذه الأعراض أو إحداها فلا بد أن يسارع الشخص لأقرب مستشفى لإعطائه العلاج اللازم خلال الساعة الأولى، الساعة الذهبية، وبإذن الله فإن هذا سيختصر عليه مراحل عديدة من التأهيل والإعاقة الناتجة عن تعرضه للجلطة وقد يعود لكامل قدرته الجسدية الوظيفية.

هذه الجلطات الدماغية غالبا ما تسبقها جلطات صغرى تحذيرية أو ما يسمى بنقص التروية الدماغية المؤقت، وهنا تموت التوعية وتضيع بموتها الساعة الذهبية. كم من مريض اعتقد بأن تنميل جانب وجهه من الليلة السابقة كان بسبب جهاز التكييف وكم من مريضة مقعدة بجلطة اعتقدت أن تنميل لسانها كان بسبب تلك الشوربة الحارقة وكم من مريض ما فتىء يدهن ذراعه ليومين ظنا منه بأن التخدير وما يشعر به من ثقل بسبب وضعية نوم سيئة ليفاجأوا جميعا بجلطة دماغية مر على أعراضها أكثر من 24 ساعة لا علاج لها وأن رحلة طويلة من التأهيل على وشك البدء.

معاناة مرضى الجلطات الدماغية عظيمة والخدمات المقدمة لهم ضئيلة وقاصرة حتى إن بعض الممارسين الصحيين لدينا قد لا يميز أعراض نقص التروية الدماغية المؤقت ويقوم بإرسال المريض للمنزل بدهان لكتفه عوضا عن حبة أسبرين وموعد للمراجعة ليعود للطوارئ مرة أخرى خلال 24 ساعة بسيارة إسعاف والعرض: جلطة دماغية! الخدمات الحالية تنحصر بالخدمات التأهيلية وقائمة الانتظار طويلة والدعم محدود لعوائل فوجئت بعائلها مقعد لا يستطيع حراكا، ولا حيلة لهم لفهم ما يقول في مسلسل يومي من الإحباط والإرهاق لا يخففه إلا رضاء بقضاء الله وقدره. حنق أهالي مرضى الجلطات الدماغية مبرر في ظل انعدام التوعية بالأعراض وخيارات العلاج والتأهيل، مع العلم بأن هناك جمعيات تتنطع بأنها للمكافحة والتوعية بالسكتات الدماغية وموادها التعليمية ومواقعها الإلكترونية لا تتواكب مع القرن الحالي.

يكفينا خجلا بأنه لا توجد إحصائيات وطنية لحالات الجلطات الدماغية في المملكة العربية السعودية، وأن منظمة الصحة العالمية تقوم بتقدير الأعداد المتوقعة حسب الإحصائيات من الدول المجاورة لنا. عدم وجود إحصائيات "حقيقية" وضياع الرؤية لبناء نظام ترصد لحالات الجلطات الدماغية وأعراضها يدعو للتساؤل عن آلية وضع احتياجات الوقاية والتوعية والعلاج والتأهيل لهذا المرض من قبل النظام الصحي. كيف يتم توقيع العقود لمراكز ومستشفيات تأهيلية للجلطات الدماغية ورصد ميزانيات ضخمة لها ونحن لا نعلم أعداد المرضى وأعداد الأشخاص المعرضين لها؟ كيف يتم السماح بالتبرع وبعضوية جمعيات صحية تعنى بالسكتات الدماغية وهي لم تنشر منذ تأسيسها أي دراسة ولا إحصائية عن الفئة التي تزعم بأنها تقدم الخدمات لهم؟ كيف يتم توجيه الموارد والجهود الوطنية في ظل غياب العامل الأهم وهو التغذية الراجعة من المرضى وأهاليهم؟

التوعية بالجلطات الدماغية ونقص التروية الدماغية المؤقت هي الصندوق لساعة الأفراد والمجتمع الذهبية أما النظام الصحي فهو يعمل بساعة رملية وما زال البحث جاريا عن ساعته الذهبية.