في القمة السابعة والعشرين لمجلس التعاون الخليجي المنعقدة في عام 2006، وجه المجلس بإجراء دراسة أولية لإيجاد برنامج مشترك لدول المجلس في مجال التقنية النووية للأغراض السلمية، طبقا للمعايير والأنظمة الدولية. من بين دول المجلس كانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الدولتين اللتين اتخذتا خطوات في اتجاه إدخال الطاقة النووية إلى بلديهما، ووقعت مذكرات تفاهم مع دول مختلفة، وأجريت دراسات متعددة لتحقيق هذا الهدف، وفي 2008 أصدرت دولة الإمارات وثيقتها المتعلقة بسياستها النووية، والتي تركزت على الالتزام بأعلى معايير السلامة والأمان، وحظر الانتشار النووي. وإن ما دعاها للتوجه إلى الطاقة النووية، هي مخاوفها حول إمدادات الطاقة وحاجتها إلى تنويع مصادرها، ولتفادي العجز المتوقع في إنتاج الطاقة خلال العقود القليلة القادمة.

اختارت الإمارات ما تراه مناسبا لها لتحقيق طموحاتها النووية، فكانت أول دولة نووية تتنازل طواعية عن حقها -المكفول لها بمعاهدة حظر الانتشار النووي- في تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستنفد، من خلال موافقتها على المعيار الذهبي «Golden Standard» الذي وقعته مع الولايات المتحدة في 2009، وبالتالي قطع أي طريق قد يوصلها إلى صنع سلاح نووي، وأسكتت بذلك كل صوت يتهم الإمارات بتسببها في سباق تسلح نووي بالمنطقة، وكل لسان مشكك في نية الإمارات من امتلاك التكنولوجيا النووية، وأصبحت الإمارات أنموذجا للاستخدام السلمي للطاقة النووية ومنع الانتشار النووي، تريد الولايات المتحدة أن تطبقه على بقية دول العالم الراغبة في الاستفادة من التكنولوجيا النووية الأمريكية، ولكن هذا قد لا يناسب -بطبيعة الحال- الدول الأخرى.

هذا الخيار يجعل الإمارات معتمدة اعتمادا كليا على الدول الخارجية، لإمداد مفاعلاتها بالوقود النووي، وهذا ما دعاها إلى المساهمة في الجهود الرامية إلى دعم تأمين الوقود النووي متعدد الأطراف، من خلال تبرعها في تأسيس بنك التخصيب الدولي التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمبلغ 10 ملايين دولار.

حلقت الإمارات عاليا، وسارت بخطى متلاحقة، أنشأت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، ومؤسسة الإمارات للطاقة النووية، لإنجاز ما تم التخطيط له، وجاء اختيار منطقة الظفرة لاحتضان مفاعل براكة النووي، لاعتبارات بيئية وتجارية وأخرى لوجستية، وكذلك لتوفر الظروف المواتية، من حيث الأمن، والقرب من موارد المياه، والتاريخ الزلزالي للموقع، والبُعد عن المناطق الكبرى المأهولة بالسكان. فالمفاعل يقع بالقرب من الحدود السعودية (حوالي 80 كلم)، ويبعد عن أبوظبي حوالي 300 كيلومتر، ويبدو أن تلك المنطقة مناسبة كموقع لإنشاء المفاعلات، فحتى الموقعين المقترحين -حسب مجلة ميد- لإقامة أول المفاعلات النووية السعودية، «خور دويهن» و«أم حويض»، يقعان في تلك الجهة من الخليج العربي، وليسا ببعيد عن مفاعل براكة.

تم الاتفاق مع الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو) لبناء أربعة مفاعلات تعمل بالماء المضغوط من طراز «APR1400» في موقع براكة، بسعة إجمالية تصل إلى 5600 ميغاواط (1400 ميغاواط لكل مفاعل)، مغطيا 25% من الاستهلاك المحلي للكهرباء.

وبعد 14 عاما من تلك القمة الخليجية بدأت الإمارات بجني ثمار جهودها، وأصبحت في مصاف الدول النووية، متغلبة على كل الصعوبات، ومتجاوزة كل العوائق، ففي فبراير 2020 حصلت شركة نواة للطاقة على رخصة تشغيل أول مفاعل عربي، مفاعل براكة للطاقة النووية، هذه الرخصة الممنوحة لها من الهيئة الاتحادية للطاقة النووية تسمح لها بالبدء بتشغيل المحطة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية لمدة تتراوح بين 60 إلى 80 عاما.

الإمارات لم تدخر جهدا في السعي إلى الحصول على أعلى معايير السلامة النووية بالوسائل المتاحة والممكنة، وقد استعانت بعدة أطراف دولية ذات باع طويل في التقنية النووية، وصرفت مبالغ طائلة لذلك، ولم تنس نصيب مواطنيها في إشراكهم وإحلالهم تدريجيا في تلك الصناعة، يتضح من هذا أن الإمارات حريصة على سلامة ليس الدولة فقط، وإنما كامل المنطقة، أما الاتهامات الواردة في تقرير بول دورفمان، رئيس المجموعة النووية الاستشارية، بأنها ستكون «تشرنوبل الخليج»، فهذا هراء وافتراء، وهذا الوصف يمكن أن يطلق على مفاعل يفتقر إلى تلك المعايير والقيود التي فرضتها الإمارات على نفسها، كمفاعل بوشهر، أما الإمارات فهي عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي، وملتزمة باتفاقية الضمانات النووية، وموافقة على البروتوكول الإضافي، مما يعني مراقبة دولية لكامل برنامجها النووي لضمان سلامته وسلميته.

أما الأخطار البيئية المحتملة التي عرضت في التقرير، كالتلوث في حالة حدوث حادث نقل للوقود النووي أو النفايات المشعة، فهناك معايير دولية متبعة لتلك الحالات، وتمت دراسة أسوأ الاحتمالات، وخلاف ذلك فالكارثة قد تحصل لأي من الـ450 مفاعلا التي تعمل حول العالم، وليست حكرا على مفاعل براكة.

هذا العرس الإماراتي ليس فرحا إماراتيا فقط، وإنما عربي أيضا. نهنئ الإمارات حكومة وشعبا وأنفسنا كذلك بهذا الإنجاز.