وهناك مؤشرات تعنى بها هيئات ومنظمات دولية تقيس وتراقب مستوى الإبداع لدول العالم وفق منهجية علمية. لعل أشهر هذه المؤشرات، المؤشر الدولي للإبداع (GII) الذي تتبناه ثلاث مؤسسات هي جامعة كورنيل الأمريكية ومعهد إنسياد الفرنسي والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، حيث يعتمد هذا المؤشر على مدخلات ومخرجات مكونة من 7 محاور رئيسية، هذه المحاور تقسم أيضاً إلى 80 مؤشراً فرعياً تغطي جميع الممكنات والنتائج المتعلقة بالإبداع بما في ذلك المؤسسات ورأس المال البشري والبنى التحتية والسوق وقطاع الأعمال وأخيراً المخرجات المعرفية والتقنية والابتكارية.
وإذا نظرنا لموقع المملكة العربية السعودية في مؤشر العالمي للإبداع نرى أننا لا زلنا في أول الطريق، حيث احتلت المملكة المرتبة 68 عالمياً في 2019، كما أن جميع دول العالم تتسابق في تطوير منظومة الإبداع لديها مما يؤثر على ترتيب المملكة من عام إلى عام في هذا المؤشر، إضافة إلى ذلك فإن هناك نقصاً في بعض البيانات التي تخص المملكة العربية السعودية مما يؤثر على تقييمها.
والوقت الآن مواتٍ لدخول المملكة هذا السباق المحتدم في ظل التغير الاقتصادي المتسارع خصوصاً أن المملكة بدأت في الكثير من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بالفعل من خلال رؤية المملكة 2030 وبرامج التحول الوطني. ما نحتاجه الآن هو توجه وطني لتطوير منظومة الإبداع على كافة المستويات وفق إطار عمل متكامل وواضح المعالم يشترك في هذا التوجه جميع أصحاب العلاقة.
الجهات الحكومية تلعب دوراً رئيسياً في هذا المجال برسم الإستراتيجيات والتوجهات والتشريعات والتنظيمات والدعم، أما القطاع الخاص فهو اللاعب الحقيقي والرئيس في منظومة الإبداع. ومن وجهة نظر شخصية، فكل ما كان النموذج المتبع مبني على أسس تجارية تنافسية مع دعم وتوجيه حكومي، كل ما أدى ذلك إلى نتائج واستدامة أفضل. القطاع غير الربحي أيضاً يلعب دوراً أساسياً في منظومة الإبداع خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي والبيئي.
الكثير من المبادرات تستحق النظر والدراسة ليس المجال لسردها في هذا المقال المقتضب، ومن هذه المبادرات ما يتعلق بالتعليم والتدريب، ومنها ما يتعلق ببراءات الاختراع والبحث والتطوير، ومنها ما يتعلق بالجانب التنظيمي والتشريعي والتوعوي. ولعلها تحين الفرصة في المستقبل إن شاء الله للإسهاب في هذا الموضوع الهام الذي أضحى أحد أهم ركائز التطور - بل البقاء - في عصرنا هذا.