أعادت وسائل التواصل تداول تصريح وزير النقل العراقي كاظم فنجان الحمامي الذي أطلقه في أكتوبر 2016، أن السومريين هم أول من أنشأ مطارا على كوكب الأرض في ذي قار، باعتبارها أكثر الأماكن أمنا للطيران في العالم. ومن هناك كانت تنطلق المركبات الفضائية السومرية نحو الكواكب الأخرى منذ أكثر من 5 آلاف عام.

الوزير العراقي لم يقل هذا من عنده وإنما اعتمد على مقولات سابقة، لكن المشكلة تكمن في أن الوزير اعتمد على أساطير بابلية غامضة قديمة وعلى بعض روايات الخيال العلمي في العصر الحديث، ولعل أشهر من كتب عن ذلك هو الروائي والكاتب أنيس منصور، الذي كان مولعا بالإثارة العلمية في كتب الخيال العلمي التي يصدرها، ولقيت إقبالا كبيرا من القراء في فترة الستينات والسبعينات الميلادية، ولعل أشهر كتبه: الذين هبطوا من السماء، والذين عادوا إلى السماء، ولعنة الفراعنة.

التزاوج بين الزهرة والأرض

ينقل أنيس منصور قصصا ينسبها إلى الكتب الفلكية دون أن يحددها، وأن أكثر من هجرة من كوكب آخر إلى كوكب الأرض قد تمت بصورة عنيفة، وكانت بذلك بداية الهجرات إلى الأرض، وأقرب الكواكب هو كوكب الزهرة، وهذه الهجرة تمت في سفن فضاء، ويبدو أن أبناء الزهرة عمالقة وتزاوجوا مع أهل الأرض، رجال من عندهم ونساء من عندنا، ويربطها بعد ذلك بما ورد في التوراة في سفر التكوين الإصحاح السادس الآية 4 وفيها «إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم هؤلاء هم الجبابرة الذين منذ الدهر لهم اسم» ويفسرها أنيس منصور بأن الإنسان قد طغى وبغى وأن عددا من أبناء السماء قد هجموا على النساء وتزوجوهن وأنجبن لهم أطفالا، وهؤلاء جبابرة مشهورون، أي أن التزاوج قد وقع وكانت ذرية.

ثم يروي عن سفر حزقيال في التوراة الذي كتب عام 597 قبل الميلاد، أي منذ نحو 2500 سنة، أنه رأى على شاطئ نهر الخابور ببغداد ريحا عاصفة جاءت من الشمال وسحابة عظيمة ونارا متواصلة وحولها لمعان، ومن وسطها كمنظر النحاس اللامع من وسط النار، ومن النار كان يخرج برق ومن وسطها شبه أربعة حيوانات لها شبه إنسان، ولكل واحد أربع أوجه وأربعة أجنحة وأرجلها قائمة، وأقدام أرجلها كقدم رجل العجل، وبارقة كمنظر النحاس المصقول، وأيدي أناس تحت أجنحتها على جوانبها الأربعة، أما أجنحتها فمبسوطة من فوق لكل واحد اثنان متصلان، أحدهما بأخيه واثنان يغطيان أجسامهما وسمع منها صوت يطلب منه أن يكون نبيا.

وفسره أنيس منصور بأن الوجه الذي يتحدث عنه حزقيال هو ما يراه من رواد الفضاء وقد ارتدوا الخوذات الخاصة بهم، وينقل عن فرنسي يسميه فرانسوا كونان أن حزقيال يصف نوعا من سفن الفضاء متطورة جدا، وهي في الوقت نفسه متوسطة الحجم ويمكن أن توصف بأنها طائرات هليوكوبتر فضائية، وهذه أول سفن فضاء يراها إنسان عن قرب وبوضوح شديد.

جلجامش وأكا

كما ينقل عن ملحمة جلجامش المعروفة بالعراق أنه جاءت سحابة من بعيد، صوت وضوضاء، تهز الأرض، وأمسكت بأنيكدو (أحد شخصيات الملحمة) وطار لمدة أربع ساعات وقيل لأنيكدو انظر إلى الأرض كيف تراها وإلى البحر كيف يبدو؟ فقال: لقد بدت الأرض مثل العجينة والبحر مثل السحاب، ويفسرها أنيس منصور بأنها أول رحلة في الفضاء، فما هي ملحمة جلجامش التي نقل منها أنيس منصور وتورط فيها الوزير العراقي.

ملحمة جلجامش تعد من أقدم النصوص الدينية بعد نصوص الأهرام. وأقدم ملحمة أدبية، تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد أي قبل 3800 عاما، ولم يتبقّ مِن تلك الملحمة سوى بضعة ألواح طينية.

وفي العصر البابلي القديم تم صهر هذه الملاحم مع إضافات أكدية لتظهر ملحمة جلجامش الشهيرة. أما النسخة التالية التي جمعها سين-لقي-ونيني فيعود تاريخها إلى ما بين القرنين الثالث عشر والعاشر قبل الميلاد، وتحمل اسم «هو الذي رأى الهاوية أو الغيب»، وفي حين تم استرجاع ثلثي هذه النسخة ذات الألواح الطينية الاثني عشر اكتُشف بعض النسخ الأفضل حالًا في أنقاض مكتبة آشور بانيبال الملكية في القرن السابع قبل الميلاد.

كان جلجامش حاكم أوروك أو الوركاء معاصرا لحاكم كيش المدعو أكا، وتتحدث الملحمة عن جلجامش ثلثه إله وثلثاه بشر، وأنيكدو أو أكا، وهو رجل جامحٌ خلقته الآلهة لوضع حدّ لطغيان جلجامش على شعب الوركاء. وبعد أن يتأنسن أنيكدو عبر إقامته علاقة جنسية مع مومس، ينطلق إلى مملكة الوركاء، يطلب تحدّي جلجامش لاختبار مقدار قوته. ويفوز جلجامش في التحدي، لتنعقد الصداقة بينهما، وينطلقان معًا إلى غابة الأرز السحرية (يعتقد أنها لبنان)، حيث يخططان لقتل الحارس خومبابا الرهيب، وقطْع شجرة الأرز المقدسة. فترسل الإلهة عشتار ثور الجنة لعقاب جلجامش على رفضه التقرّب منه. ويقتل جلجامش وأنيكدو ثور الجنة، وعلى إثر ذلك يتخذ الآلهة قرارهم بالحكم على أنكيدو بالموت، ويقتلونه.

يحزن جلجامش على مقتل صديقه فيقوم برحلة طويلة لاكتشاف سرّ الخلود، في نهاية المطاف يكتشف أن «الحياة التي تسعى في إِثرها لن تنالها أبدًا. لأن الآلهة عند خلقِها البشر، جعلت الموت من نصيبهم، واستأثرت بالخلود نصيبًا لها وحدها».

تموز وأدونيس

يرى المؤرخ ول ديورانت في قصة الحضارة أن الكهنة المؤرخين في سومر حاولوا أن يخلقوا ماضيا يتسع لنمو جميع عناصر الحضارة السومرية، فوضعوا من عندهم قوائم بأسماء ملوكهم الأقدمين ورجعوا بالأسرة المالكة التي حكمت قبل الطوفان إلى 4320 عاما، ورووا عن اثنين من هؤلاء الحكام وهما تموز وجلجامش من القصص المؤثرة، ما جعل ثانيهما بطل أعظم ملحمة في الأدب البابلي، أما تموز فقد انتقل إلى مجمع الآلهة البابليين وأصبح فيما بعد أدونيس اليونانيين، ولعل الكهنة السومريين قد غالوا بعض الشيء في قدم حضارتهم.

كانت عبادة الشمس قد تقادم عهدها حين نشأت بلاد سومر وكان مظهرها عبادة شمش (نور الآلهة) الذي كان يقضي الليل في الأعماق الشمالية حتى يفتح الفجر أبوابه فيصعد في السماء كاللهب ويضرب بعربته في أعماق القبة الزرقاء ولم تكن الشمس إلا عجلة في مركبته النارية.