من كثرة الوعود وكثرة التسويف وكثرة ترديد (إن شاء الله) التعليق، وليس (إن شاء الله) التحقيق بات المواطن تستفزه بعض العبارات التي تتردد على لسان عدد ليس بقليل من المسؤولين باختلاف مناصبهم ومواقعهم وحجم المسؤولية المناطة بهم، حتى بات البعض يستخف بكلمة قريبا حينما ينطقها هذا المسؤول أو ذاك، فيعلقون عليها باللهجة العامية الدارجة في منطقة الخليج العربي تحديدا قائلين (مش بوزك) بمعنى لا تحلم بتحقيق ذلك الكلام الذي سبقته كلمة قريبا. ولعل طلة عابرة على تعليقات المواطنين على ما ينشر في مواقع الصحف على (النت) ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من تصريحات تتخللها وعود أو أقوال عن مواعيد تنفيذ مشروع ما، أو العمل بنظام ما، أو حل مشكلة معينة، أو مناقشة قضية مزمنة، نلاحظ حالة من اليأس والإحباط وعدم الثقة بما يقال وبما يعلن، كون المعلومة عائمة والتاريخ مفتوحا وكلمة (قريبا) وأختها (تقريبا) هي البطل في مثل تلك التصريحات والكلمات والبيانات. ولعل من أبجديات أي اجتماع أو عمل مهما صغر أو كبر أن توضع له خطة تنفيذية محددة بالأرقام والتواريخ فالمهمة الفلانية مسؤول عنها فلان وموعد إنجاز هذه المهمة اليوم الفلاني في التاريخ الفلاني، فهذه قاعدة تستخدم في كل عمل منظم وصادق وواضح وجاد، ولهذا عندما تكون المسائل مفتوحة وغير معلومة فاعلم أن هناك (إن) في الموضوع، ومن أبرز ما يقف وراء (إن) لا مبالاة، وفوضى، واستهتار، ولهذا لن تجد مسؤولا في شركة مثل أرامكو أو سابك وكبرى شركات القطاع الخاص يستخدم كلمة (قريبا) أو أنه لا يعطيك رقما دقيقا حول التكلفة وموعد البدء والانتهاء من مشروع محدد، وما إلى ذلك من معلومات مهمة ودقيقة، لأن الرقم والتاريخ في القطاع الخاص يمثل تكلفة مالية ويمثل سمعة ويمثل نجاحا أو فشلا، بينما في المقابل عند بعض العاملين في القطاع العام لا قيمة للمعلومة الدقيقة ولا احترام لعامل الوقت ولا للتكلفة، لأن هؤلاء في الغالب غير مهتمين بالمال العام وليسوا حريصين على سمعة القطاع الذي يعملون فيه، ومن هنا وعلى مدى الأيام والسنين وبسبب مثل هؤلاء الأشخاص وغيرهم تراكمت سمعة غير جيدة عن العمل في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص، وبات من سمات (العام) أنه عمل مفتوح غير محدد بزمن وغير مضمون وعلى النقيض ما يتسم به عمل القطاع الخاص. في ظني أن أحد أبرز أسباب ما تعانيه القطاعات الحكومية في المرحلة الحالية ويؤثر بشكل كبير في سمعة مشاريعها المنفذة والمزمع تنفيذها تلك اللغة القائمة على (التقريب) و(الافتراض) وليست القائمة على (التحديد) و(الوضوح)، ومن هنا ينبغي أن تمحى كلمات الاستفزاز تلك أو العبارات التي باتت ترمز لغياب العمل المؤسسي الجاد والمنظم وتستبدل بكلمات وعبارات كلها ثقة ودقة وانضباط، بل من المحبذ أن تتسم بالتحدي والمراهنة على دقة المواعيد في الإنجاز لتعيد الثقة للمواطنين في العمل المسند للقطاع العام الذي يعاني من تعثر واضح، وصل حسب معلومات رسمية إلى ما يقارب 2000 مشروع متعثر.