لم يشهد التاريخ العربي الحديث أكذوبة كبرى كأذوبة الهالة القدسية التي يحاط بها حسن نصرالله، زعيم مليشيا حزب الله اللبناني. أيديولوجية التطرّف التي ولدت في مدينة النجف بالعراق، باعتبارها أحد أهم المدن الشيعية، حين ذهب وارتحل إليها حسن عبدالكريم نصر الله عام 1960، طالبا العلم، لم تكن صدفةً، أو أمراً اعتباطياً، بل كانت أول أهداف نشأة وولادة مندوب نظام الولي الفقيه بالمنطقة.

ذريعة مقاومة إسرائيل كانت الشماعة، والحقيقة أن الهدف من وراء ذلك كان بناء كيان سياسي يقوم على خلخلة أي مشروع عربي من شأنه أخذ لبنان إلى الحضن العربي، ويضع حدا للحرب الأهلية، في دولة باتت توصف أخيرا بـ«صندوق بريد»، يعنى بتصفية حسابات الدول الكبرى على أرضه، وعلى حساب أحزابه السياسية.

وإذا عدنا إلى تاريخ نصرالله، وكيف دخل إلى معترك الحياة السياسية بلبنان، فسنجد أنه قفز على ذلك بقوة السلاح الإيراني، وليس عبر برنامج أو خطط سياسية تخلق له موطئ قدم بين الأحزاب السياسية بلبنان، التي رسم لها اتفاق الطائف أطراً تنظم تقاسم المناصب، في ظل محاصصة سياسية ارتضت بها جميع الأطراف اللبنانية.

إذن، نتفهم أن تعميم الخطاب المذهبي الإيراني كان لخلق هالة قدسية حول زعيم حزب الله، بهدف التغطية على حالة الجهل السياسي التي يتمتع بها الزعيم الطائفي.

ولا يمكن للمراقب أن يتجاهل ضلوع حزب الله -من جانب آخر- في تجارة المخدرات، وكان الهدف من ذلك التغطية على المال الإيراني الذي يعدّ المستند المالي الوحيد للحزب لتنفيذ مخططاته واغتيالاته، إلى أن جاء الوقت لاعتراف نصرالله قبل أشهر بأن «جميع أموال الحزب وتمويلاته» هي من الجمهورية الإيرانية الإسلامية. لماذا كان يخجل حزب الله في السابق من الاعتراف بالمال الإيراني؟ للضحك على ما تبقى من مؤيديه في الشارع العربي، ليضعهم كرافعةً وحاضنة شعبية لسياسيات الحزب، إلا أن المشاركة في قتال الشعب السوري إلى جانب دكتاتور دمشق، أسقطت آخر أوراق الخجل التي كان الحزب يحتفظ بها، وكانت حائلا دون الاعتراف بالتمويل الإيراني.

يدافع نصرالله -كما يزعم- عن الشعوب، وترجم ذلك بعد ما وُصف بـ«الربيع العربي»، وإن كنت أجد وصف الخريف أقرب إليه، ويقف ضد من يصفهم الطغاة، يساند -في تناقض سياسي- نظام دمشق ضد شعبه!.

خلال ما يشهده لبنان من حراك شعبي منذ أشهر، وأخيرا خلال الأزمة الصحية التي تسبب فيها فيروس كورونا، انقسم لبنان إلى فسطاطين.

رفع الدكتور سمير جعجع، ممثلاً صوتا وطنياً، مطالباً باتخاذ تدابير تقف حائلاً أمام انتشار الفيروس القادم إلى الأراضي اللبنانية من إيران، وفرض حالة طوارئ عامة في البلاد. قال بكل صراحة «سنقاضي رئيس الحكومة حسان دياب، ووزير الصحة حمد حسن، استناداً إلى توكيل شعبي عريض، ممنوح للوطنيين اللبنانيين».

كان موقف حسن نصرالله على ذلك بفرض حالة طوارئ على تابعيه، ومنعهم من الذهاب إلى الحسينيات، ومن التجمعات. ساد الصوت الطائفي على موقف السيد، والموقف الوطني على موقف الحكيم.

يتضح لنا من يضع لبنان فوق كل شيء، والطائفة والولي الفقيه قبل كل شيء.

لذا، تفرض الأحداث على الدوام الحقائق، وفي حالة نصرالله تتأكد حقيقة الأكذوبة التاريخية الكبرى.