عندما يستقبلك صوت عبر الهاتف أو يقابلك أحدهم في محفل ثقافي أو اجتماعي بعبارة"يا ..الحبيب" فلا تُكثر التخمين وثق أنك أمام الأديب محمد بن عبدالله الحميد ( الرئيس الأسبق لنادي أبها الأدبي) ، فهذه اللزمة الترحيبية الممتزجة بابتسامة مميزة، يعرفها جميع الأدباء والمثقفين وغيرهم من فئات المجتمع الذين تعاملوا أو التقوا بـ"الحميد" منذ أكثر من 60 عاما، تنقل خلالها بين عدة مهام ومناصب إدارية حكومية وأهلية، أهمها إدارته لنادي أبها الأدبي لمدة 28 عاما، كان خلالها الرجل الأكثر وجودا في أروقة النادي، فمن يريد الالتقاء بـ"أبو عبدالله" لن يذهب إلى أي مكان سوى مقر نادي أبها الأدبي عندها سيسمع " ياالحبيب" بنكهة خاصة.
منذ خمس سنوات تقريبا صرت لن تجد " أبوعبدالله" إلا في أحد خمسة مواقع أولها إطلالته كل أحد عبر "من وحي الوطن" عموده في "الوطن"، أو منزله أو مكتبه الخاص الذي يمارس خلاله الأعمال التجارية أو مزرعته أو استراحته في تهامة عسير. وعلى الرغم من تمتعه بالخصوصية في هذه الأماكن إلا أنه وهو البالغ من العمر( 77 عاما ) محافظ على برنامج صحي وثقافي يمكنه من التواصل مع تقنيات العصر ومستجداته، فلا تشعر أنه يعاني مما يعانيه بعض من ذهبت عنهم الأضواء فجأة فأصبحوا منعزلين أو محطبين، يقول ( الحمد لله أستمتع بوقتي جدا، فأقرأ الجديد من الكتب وأتابع الصحافة وأتصفح الإنترنت يوميا، وأقضي الكثير من الوقت وسط الخضرة والجمال الطبيعي في مزرعتي ).
عرف "الحميد" بين المثقفين في عسير وخارجها بأنه كان "يمسك العصا من المنتصف" خلال فترة رئاسته لنادي أبها الأدبي، ويبدو أن هذه الصفة متأصلة في شخصيته، حيث أمسك العصا من المنتصف بين " حرفة الأدب" والتجارة، خصوصا بعد مغادرته كرسي "أدبي أبها"، لكنه يعترف بأنه كان متخوفا في البداية. يقول وهو يمسك بأحد دفاتر الحسابات اليومية (التجارة غزوات المؤمنين ... للحق كنت قبل التقاعد متخوفاً من دخول غمراتها .. إلا أنني وجدت فيها ـ والثناء لله ـ الربح الحلال .. وإشغال الفراغ بما يفيد).
لكن من الواضح أن لغة الأرقام والربح والخسارة، لم تشغل "الحميد" عن همه الأصلي وهو "الثقافة والأدب"، فجلسة حديث معه ستتطرق لا محالة إلى واقع المؤسسات الثقافية فهو الخبير بها، فعندما فتحتُ أمامه صفحة في إحدى الصحف المحلية تتحدث عن انتخابات الأندية الأدبية، وقلت له ما رأيك فيما يحصل داخل أروقة الأندية حاليا؟ رد سريعا (أبديت رأيي في إحدى مقالاتي بزاويتي الأسبوعية.. وأؤكد هنا أن الأندية الأدبية، يجب أن تقتصر على الأدباء فقط وهم الشاعر والقاص والناقد والكاتب، لأنهم النخبة محدودة العدد والمظلومة دائماً).. وتابع( أما الألوان الثقافية الأخرى.. فتكفيها جمعياتها وليس من العدالة فتح مجال الانتخاب والتعيين لكل من هبّ ودبّ.. حتى لا يكون مآل الأندية الأدبية الفشل.. وغياب المبدعين والموهوبين).
وبعد أن دونت هذا الرأي الحازم من أبي عبدالله تجاه طريقة تشكيل جمعيات الأندية الأدبية، فضلت أن أعود به إلى مشاريعه الكتابية الخاصة، فسألته عما قيل من أنه يعكف على جمع نتاجه الكتابي ومذكراته لتصدر في مؤلف واحد ، فلم يزد على القول (الحديث عن النفس ثقيل جدا.. غير أني سأنفذ رغبة الكُثر من الأقارب والأصدقاء.. وأرجو أن أتمكن من ذلك). وقبل أن أدلف خارجا من ضيافة "الحميد" داعبته بسؤال تقليدي حول موقف شعر فيه بالندم فأجاب بثقة (أحمد الله تعالى إذ لا أشعر بالندم على موقف اتخذته خطأً، لأنني عادة أصفّي أموري أولاً بأول، ولا أترك ما يؤثر على ضميري دون إزالة فورية).