المملكة العربية السعودية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فبناء الطرق والجسور من أقصى المملكة إلى أقصاها لخدمة المواطنين وكل من عاش على أرض هذا الوطن هو من المعروف، وإنشاء المستشفيات في كل مدينة ومحافظة ومركز في المملكة هو من المعروف، وكل المشاريع التنموية العملاقة ذات المليارات الفلكية لخدمة المواطنين في المملكة هي من المعروف، فضلا عن خدمة الحرمين الشريفين وطباعة المصحف الشريف والسنة النبوية وغيرها من الأعمال الصالحة التي لا ينكرها إلا من سفه نفسه، وهكذا ما يجده المواطنون والمقيمون من موظفين وغيرهم من عناية فائقة يجدونها من الدولة، كل ذلك وغيره من المعروف.

كما أن مقابلة تلك الخدمات التنموية، والمشاريع الخيرية، ورغد العيش، واستتباب الأمن، مقابلة ذلك بالسرقة، والغش، والخيانة، والفساد، هو من المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وتحاربه الدولة.

ولذلك فإن إنشاء هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من قبل ولاة الأمر ودعمها، يسر كل محبٍ للنزاهة والاستقامة، وكل من جعل مخافة الله نصب عينيه.

ومصلحة وجود هذه الهيئة ليس فقط للدولة والمجتمع، وإنما مصلحة وجودها وعملها حتى للفاسد نفسه الذي خان أمانته، وأخذ ما لا يحل له، لأن إرجاعه لما أخذه، وأخذ جزائه في الدنيا، خير له من أن يأتي به يوم التغابن، ويحاسب عليه يوم القيامة، ففي الحديث (ما بال العامل نَبعثه فيأتي، فيقول: هذا لكم وهذا أهدي لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيُهْدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيْعَر))، ثم رفَع يديه؛ حتى رأينا عفرتي إبطيه: وقال: ألا هل بلّغت، ثلاثًا. فإذا كان آخذ الشاة بغير حق سيأتي بها يوم القيامة، فما بالك بمن أخذ الآلاف والملايين بغير حق؟

وإذا كان أحد الناس قاتل تحت راية النبي عليه الصلاة والسلام، وأخذ شملة أي قطعة قماش (بردة أو عباءة) غلها من الغنائم لم تُصبها المقاسم، كان حكم ذلك ما أشار إليه رسول الله بقوله: (إن الشملة لتلتهب عليه نارا). فيا ويل من أخذ ما لا يحل له، حتى وإن احتال على ذلك بتقنين الفساد وفواتيره الكاذبة، فإنه وإن كسب القضية قضاءً، فقد خسر المصداقية حقيقةً، بل وخسر نفسه، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وقبل أيام اطلعت على مقابلة أجراها المذيع عبدالله المديفر مع رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وقد سرني كثيراً توكيده على محاسبة الفساد والفاسدين أينما كانوا، ومهما كانوا، وذلك باحتراف، وتؤدة وتثبت، وعلم وعدل، فقد أجاد وأفاد في عرضه وفقه الله، واختيار الدولة له يدل على كفاءته وعلمه وعدله.

وأرجو أن يتسع صدره لاقتراحي وهو: أنني أتمنى عدم ذكر الخطوات والآليات والتفاصيل التي تم من خلالها ضبط الفاسدين، كالقول إننا أعطينا مبلغا من المال لوسيط...الخ، وكذا خطوات ضبط فساد بعض موظفي وزارة الدفاع، من التأكد من الجمارك ثم... إلى آخر الخطوات.

في نظري أن ذلك يجعل الفاسدين يطورون أساليبهم في ملاحظة هذه الإجراءات التي تم إدانتهم من خلالها، وربما يتلافونها في المستقبل، في حين أن بقاء الفاسد - أياً كان موقعه- مرعوبا لا يدري كيف تم اكتشاف أصحابه الفاسدين، هو المطلوب، والمستمع النزيه يكفيه أن يعلم أنه تم القبض والاعتراف، لأنه يثق باحترافية وكفاءة من أسندت لهم تلك المهمات.

وفق الله هذه الهيئة المباركة، وأعان الله رئيسها وزملاءه، على ما كلفهم ولي الأمر به، وهم أهل لذلك، ونحن ندعو لهم بالتوفيق والسداد.