في الأزمات، أيّاً كان شكلها أو صورتها، حروب أو كوارث طبيعية أو مفتعلة، إما أن تُبنى وتزداد ثقة المجتمعات في دولها، أو تدمر.

فقدان ثقة المجتمعات في دولها أو حكوماتها أصعب من الناحية السياسية والاجتماعية من الكوارث ذاتها، في كثير من الأحيان والأحداث التاريخية.

الثقة التي أتحدث عنها اليوم، هي ثقة المجتمعات في دولها أو حكوماتها، إذ إن الدول والحكومات في الأعراف السياسية والاجتماعية -وحتى المنطقية- هي التي بحاجة إلى اكتساب ثقة مجتمعاتها فيها، وليس العكس.

جائحة كورونا التي اجتاحت العالم، فرضت رؤى عدة لم تكن في الحسبان، وربما خلقت مناخا سياسيا واجتماعيا ليس طارئا، بقدر ما هو مدروس في جملته وتفصيله.

في المملكة -تحديدا- لم تكن القرارات الاستباقية التي هدفت إلى محاصرة هذه الآفة، نتيجة اجتماعات طارئة، أو مشورات على عجل. لا، لم يكن الأمر كذلك إطلاقا.

إذا عدنا إلى رؤية المملكة 2030، فقد افترضت في أحد عناوينها العريضة وجود «حكومة فاعلة». ماذا يعني حكومة فاعلة؟.

الحكومة الفاعلة بمعناها الضمني والصريح، يجب أن يكون جُلّ همها استدراك واستشعار الحفاظ على الموارد الحيوية، الإنسان على رأس الموارد الحيوية، ومن بعده يأتي كل شيء، الأمن الغذائي والاقتصادي والزراعي، وغيره.

اتخذت المملكة قرارات استباقية استنادا إلى قاعدة «إدارة الأزمات».

ومن هنا، يتجسد بُعد النظر الذي تحظى به حكومة المملكة، تحملت الدولة أعباء اقتصادية كبرى، مقابل الحفاظ على الإنسان. كرست جلّ طاقاتها البشرية وغير البشرية للوقوف أمام هذا الوباء. لم تكترث لا بالمال ولا بالأعباء الاقتصادية. كان ذلك أكبر دعامات ثقة السعوديين في دولتهم، إيمانا من الدولة بأن ثقة المجتمع هي الضامن الأساسي والرئيسي، الذي يُبنى عليه نسيجٌ اجتماعي صعب اختراقه أو تفككه، تحت أي ظرف.

خلال الأشهر الستة الماضية، فرضت المملكة ثقتها على الرأي العام العالمي والمحلي مرتين:

الأولى: بعد حادثة الهجوم على شركة أرامكو في بقيق بصواريخ إيرانية خلال سبتمبر الماضي. خلال أسابيع أعادت الوضع إلى ما كان عليه، وحافظت على استقرار إمداد الأسواق العالمية بالنفط، دون اللجوء إلى الاحتياطات لا المحلية ولا العالمية. من هنا كسبت ثقة العالم بأسره. والأهم هنا ثقة الشعوب والرأي العام العالمي وليست الحكومات.

الثانية: في جائحة كورونا التي اجتاحت العالم. استشعرت الخطر مسبقا. فرضت تدابير استباقية أهمها وأبرزها وقف القادمين لزيارة المشاعر المقدسة. ثم جاءت خطوة وقف العمل بالجهات الحكومية إلا للضرورة. في ذلك أعباء كبرى لا تتحملها أي دولة.

فقدان ثقة المجتمعات في حكوماتها خطرٌ مُحدق. قد يصل إلى ما لا يُحمد عقباه. ولذلك حدث في إيران التي خدعت الرأي العام المحلي بعد انتشار الوباء، فضلا عن خداع العالم بأسره ما لم تتوقعه حكومة العمائم.

نزل الإيرانيون إلى الشارع منتفضين في وجه حكومة بلادهم. فحكومتهم «الثورية» لا تهمها حياة الإنسان. إيطاليا الرومانسية كان لها نصيب الأسد من ناحية فقدان ثقة المواطن الإيطالي في حكومته. حاول الساسة في الدولة النرجسية امتصاص الغصب. وحاولوا مرةً أخرى بممارسة الصدق والصراحة مع الشارع الإيطالي. لم يفلح الأمر بعد أن وقعت الفأس في الرأس، وأصبحت حياة الإنسان الإيطالي خاضعة لمعايير طبية معينة، فرضتها السلطات الصحية في البلد الذي تغيرت صورة وجهه الصبوح، إلى آخر عبوس.

هذا المشهد العريض، يمنح الحق لكل سعودي وسعودية الفخر بدولةٍ أرخصت كل شيء، وضحّت بكل شيء، إلا حياة الإنسان على أرضها.

الخطاب الملكي وضع كل من يعيش على هذه الأرض ضمن مسؤولية الدولة الأخلاقية، سعوديّا كان أو مقيما. من هنا يتضح لنا الانتشار الواسع لشعار «الحمد لله على نعمة السعودية». هذا ليس تزلّفا أو تطبيلا، بل نعمة من الخالق الكريم تستحق الحمد. فالحمد لله على نعمة السعودية.