يعدّ تلوث الهواء من أكبر التحديات البيئية والصحية والاقتصادية المعاصرة. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 9 من كل 10 أشخاص حول العالم يتنفسون هواء غير صحي، ويتسبب تلوث الهواء في موت ملايين البشر حول العالم، والعدد في تزايد مستمر نتيجة نمط الحياة العصرية والأنشطة الصناعية والتوسع في وسائل النقل، وتزايد الطلب على الوقود، مع إهمال المعايير البيئية في كثير من دول العالم.

وأكدت جائحة فيروس كورونا أن تلوث الهواء قضية لا يستهان بها، فقد ذكرت تقارير علمية من الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ذات هواء ملوث معرضون أكثر من غيرهم للوفاة بسبب الفيروس، نظرا لقلة كفاءة الجهاز التنفسي لهم، وهذا ما حدا ببعض المدن الأوروبية أن تخطط لاتخاذ إجراءات مشددة لتقليل تلوث الهواء، مع التركيز على المصدر الأساسي له، وهو وسائل النقل.

بيئات غير صحية

أوضح الأكاديمي والمستشار البيئي الدكتور عبدالرحمن الصقير لـ«الوطن»، أن تلوث الهواء ارتبط بشكل كبير بالمدن المزدحمة بالسكان والمناطق الصناعية، وبالقرب من المناجم ومصانع الإسمنت ومصافي النفط، إذ يعيش سكان تلك المناطق في بيئات غير صحية يتنفسون فيها هواء مشبعا بأخطر الغازات سمية وإضرارا بالصحة البدنية والنفسية والعقلية.

كما ارتبط الهواء الملوث بكثير من الأمراض والعلل، فمن الجلطات الدماغية إلى الفشل الكلوي إلى أمراض القلب وتشوهات الأجنة وتدني النشاط البدني والذهني، خصوصا للأطفال الذين يعيشون في تلك البيئات.

أما الجهاز التنفسي فهو -كما يشير كثير من الأبحاث- المتضرر الأكبر من تلوث الهواء، بدءا من الالتهابات البسيطة والتحسس، وانتهاء بسرطان الرئة المتفشي بكثرة في المناطق الموبوءة.

انخفاض ملوثات الهواء

يقول الصقير: لقد كشف فيروس كورونا حجم الضرر الذي ألحقه البشر بالبيئة، فنتيجة للحظر المفروض بسبب الفيروس، تنفست الكرة الأرضية هواء نقيا، وسجلت أجهزة الرصد انخفاضا كبيرا في أهم ملوثات الهواء، فعلى سبيل المثال سجلت الرياض انخفاضا جوهريا لغاز أول أكسيد الكربون بلغ 50%، كما انخفض غاز ثاني أكسيد النيتروجين بنسبة بلغت 60%، وفي بعض مدن أوروبا هبط مستوى ثاني أكسيد النيتروجين بمعدل وصل إلى 40%، وسجل تلوث الهواء في معظم دول أوروبا نقصا بلغ 45%، وذكرت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، أن مستوى تلوث الهواء في الهند هبط إلى أدنى مستوى له منذ 20 عاما.

درس كورونا

أبان الصقير أن فيروس كورونا لقّن البشرية درسا قاسيا، بأن الإخلال بالبيئة عواقبه وخيمة، فهل يستفيد البشر من هذا الدرس؟ وهل نستطيع في المملكة أن نستخلص بعض الدروس والعبر من هذه الأزمة، فنسعى بكل قوة وصرامة إلى الحد من ملوثات الهواء، وإلزام الأنشطة والقطاعات الأكثر تلويثا للبيئة بالالتزام بالمعايير البيئية وتحمل مسؤوليتها حيال ذلك، وتقليل حركة وسائل النقل ليلا، وإدراج قياسات تلوث الهواء ضمن تقارير الأرصاد وحماية البيئة على مدار الساعة، وإتاحة تلك المعلومات للعموم بكل شفافية، والاهتمام بالتشجير الحضري وزيادة الرقعة الخضراء لتنقية الهواء وتقليل الملوثات.