والفقهاء -كعادتهم- لا يتفقون، وفي تنوع آرائهم جمال، وفرصة للاختيار، وتدريب على عدم تشبث أحد برأيه، وإهمال رأي غيره.
المنصوص عليه في الجزء السادس من الموسوعة الفقهية، عند الكلام على شرط البلوغ في الإمامة عند: «جُمْهُور الْفُقَهَاءِ -الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّة وَالْحَنَابِلَة- يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْمَامَةِ فِي صَلاَةِ الْفَرْضِ أَنْ يَكُونَ الإْمَامُ بَالِغًا، فَلاَ تَصِحُّ إِمَامَةُ مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ عِنْدَهُمْ. أَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ كَصَلاَةِ الْكُسُوفِ أَوِ التَّرَاوِيحِ فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ -الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ- لأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْهَا بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ؛ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ إِمَامَةِ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمْ فِي النَّوَافِلِ. وَلَمْ يَشْتَرِطِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الإْمَامِ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، فَتَصِحُّ إِمَامَةُ الْمُمَيِّزِ لِلْبَالِغِ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي الْفَرَائِضِ أَمِ النَّوَافِلِ..». لكل من الرأيين السابقين دليل يستند عليه أهلهما.
الدليل الأول: حديث «لا تُقَدِّمُوا صِبْيَانَكُمْ». والثاني: حديث سيدنا عمرو بن سلمة، قال: «لمَّا رجعَ قَومي مِن عِندِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قالوا: «إنَّهُ قالَ ليؤمَّكُم أكثرُكُم قِراءةً للقُرآنِ، قالَ فدَعَوني فعلَّموني الرُّكوعَ والسُّجودَ، فَكُنتُ أصلِّي بِهِم».
ويقول في رواية أخرى: «وأنا ابنُ سِتٍّ أوْ سَبْعِ سِنِينَ».
ومن له نصيب في علم الحديث ورجاله، يعلم بعد البحث، أن حديث «لا تقدموا صبيانكم»، لا يصح الاعتماد عليه، لأنه كما يقول أهل علم الحديث: «لا أصل له»، أما الدليل الثاني فهو صحيح بلا خلاف.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، في إجابة قديمة لها، عن سؤال وردها عن الموضوع نفسه ذكرت بالنص:»تصح إمامة الصبي الذي يعقل الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» الحديث، ولما ثبت في صحيح الإمام البخاري عن عمر بن سلمة الجرمي قال: «قدم أبي من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:»إذا حضرت الصلاة فليؤمكم أكثركم قرآنا، قال: فنظروا فلم يجدوا أحدا أكثر مني قرآنا، فقدموني وأنا ابن ست أو سبع سنين».
أختم مقالي بضرورة البعد عن مزيد من الجرح أو التعديل في الأقوال، وأن نبحث عن تحقيق الأهداف التربوية في أبنائنا، وأن نطور شخصياتهم، من خلال جعلهم أئمة علينا، وفرصة كورونا فرصةٌ سانحة من أجل ألا نتوقف عند قول المعارضين، كمن يدّعي أن الصبي ليس من أهل الإمامة.