بالنظر إلى تاريخ الاقتصاد السعودي خلال العقود الـ6 الماضية، قبل اكتشاف النفط وبعده، سنجد أن السعودية -ولله الحمد- لديها خبرات متراكمة في كيفية التعامل مع الأزمات الاقتصادية، والأداء بشكل جيد في زمن الشدة، بالكفاءة نفسها في حال الوفرة الاقتصادية بسبب انتعاش أسعار البترول.

وقد تعاملت السعودية في الخمسينات بنجاح، خلال الأزمة الاقتصادية العالمية، بعد الحرب الكونية الثانية، وهي التي كانت في بداية المشوار بعد توحيد الدولة السعودية، رغم قلة الإمكانات، ومع تفشي نسبة الأمية في المجتمع وانعدام البنية التحتية في تلك الحقبة الزمنية.

وخلال عقد الثمانينات اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، وكان الدعم الاقتصادي والمجهود الحربي للعراق، بشكل مباشر وغير مباشر، مؤثرَين سلبا على الاقتصاد السعودي بشكل كبير جدا، خاصة بعد خوض إيران حرب الألغام والناقلات على دول الخليج، وبداية ظهور حركات الاٍرهاب الديني، وهذا طبعا أثر كثيرا بالسلب على اقتصادات دول الخليج والسعودية، ورغم كل هذا تمكنت السعودية من النجاح والعودة إلى مسار التنمية والازدهار.

وكذلك تخطت السعودية في التسعينات الميلادية أزمة اقتصادية طاحنة ناتجة عن تبعات حرب تحرير الكويت بعد الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990.

كما تعلمون أن السعودية استضافت شعب وحكومة الكويت بالكامل، وخصصت مدينة الطائف كعاصمة كويتية بالمنفى، ودفعت أموالا طائلة لاستضافة جيش التحالف لتحرير الكويت، والذي بلغ عدده نصف مليون جندي من جيوش 54 دولة في التحالف.

واستطاعت بعد ذلك، في منتصف التسعينات الميلادية، تخطي أزمة انهيار النفط، حين وصل سعر البرميل إلى 8 دولارات، وأتذكر تماما عندما خرج الملك عبدالله -رحمه الله- وكان حينها وليّا للعهد، وقال للشعب «شدوا الأحزمة»، وحصل ذلك بالفعل، ولكن بعد 10 سنوات تمكنت السعودية من التعافي الاقتصادي والعودة إلى مسار التنمية والرفاهية، وبداية حقبة جديدة من الاستثمار الذكي للموارد البشرية، وأطلقت برنامجا للابتعاث الخارجي لعشرات آلاف الطلاب إلى أفضل جامعات العالم، ولذلك أنا على ثقة تامة -اليوم- بقدرة السعودية على التأقلم وتخطي هذه الأزمة، خاصة أن لديها سيولة واحتياطات نقدية كبيرة، تمكنت من توفيرها في زمن الرخاء.

وللمعلومية، لا يمثل الدين في الاقتصاد الوطني السعودي حاليا أكثر من 30% من إجمالي الناتج القومي لها، ولذلك حتى لو اقترضت السعودية اليوم من الخارج، فهي ستتمكن من دفع وتسديد هذه الأموال خلال صندوقها السيادي، وغيرها من الصناديق الاستثمارية التابعة لها، لأن الأعباء والفوائد المالية المترتبة على هذه الديون ستكون أقل بكثير من العوائد الاستثمارية، نظرا لأن نسبة الفوائد منخفضة حاليا في أسواق الائتمان، وهي أقرب إلى الصفر، وبذلك ستكون تكلفة الدين أقل من الأرباح المتولدة من استثماراتها السيادية.

ونظرا لما قدمته حكومتنا الرشيدة من جهود في زمن الرخاء، واستثمار الأموال على تطوير القوى البشرية السعودية، ونشر التعليم والقضاء على الأمية وبناء البنية التحتية الحديثة، مثل المستشفيات والمطارات والقطارات والمدن الصناعية والمشاريع الطموحة، خلال العقود الماضية، ووضع أهداف للرؤية 2030، فأنا على قناعة تامة بأننا سنجتاز -بعون الله- التحديات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، وما تلاها من انهيار لأسعار النفط، بقليل من شد الحزام، وإعادة ترتيب الأولويات.