رغم عظمة الصين وتفوقها الاقتصادي والحضاري، إلا أنها لا تمتلك المقومات التي تمتلكها أمريكا لقيادة العالم.

فالصين -ومنذ فجر التاريخ- لا تمتلك شخصية قيادة العالم، ولا تمتلك في ثقافتها هذا الإلهام العولمي، فحتى عندما كانت تتوسع عسكريا في مراحل متفاوتة من التاريخ، فهي لم تتمكن من فرض إلهامها على الشعوب، إنما جاء على شكل توسع عسكري سرعان ما يتراجع إلى حدوده الأصلية، وكأن الشعب الصيني يمتلك ثقافة مغلقة غير قابلة للاندماج بسهولة مع العالم، وهو العامل الأول.

أما العامل الثاني الذي يؤكد عدم تهديد الصين لقيادة أمريكا، فهو الانتشار العسكري وقوته وضخامته المستمرة في النمو بفارق هائل عن الصين، فعدد حاملات الطائرات الأمريكية -وحده- يصل إلى أكثر من 11 حاملة طائرة دون الحاملات الخارجة عن الخدمة، بينما بدأت الصين -مؤخراً- في صناعة حاملات الطائرات مع فارق الخبرة لأمريكا، والذي يمتد أكثر من 70 عاما، كما أنها -الصين- لا تمتلك هذا الحجم من الانتشار.

والعامل الثالث: هو تحالفات أمريكا، فهي ما زالت أقوى وأكبر وأعمق لأسباب كثيرة، منها قدرة أمريكا في تزويد حلفائها بصناعات أفضل، وقدرتها على دعم اقتصاد الحلفاء، سواء كان هؤلاء الحلفاء من الاتحاد الأوروبي، أو من دول آسيا أو الخليج العربي، وذلك بعكس تحالفات الصين، التي عادة ما تكون مع دول منعزلة، لا تؤثر بشكل إيجابي على العالم، مثل إيران وكوريا الشمالية.

والعامل الرابع: هو تفوق أمريكا في العمل الاستخباراتي، فهي الدولة التي تمتلك معلومات العالم، وتسيطر على الإنترنت، وهو ما دفع الصين إلى الانعزال المعلوماتي، عبر قطع كل المواقع الأكثر استخداما، وبناء شبكات داخلية بديلة، وهو عامل يصعب على الصين امتلاكه في حرب نفوذ مع أمريكا.

والعامل الخامس: هو التفوق التقني في التقنيات الحساسة، فأمريكا ما زالت تقود العالم في البرمجيات والابتكار النوعي والقطاع العسكري المتطور، وما زالت شركاتها هي مصدر الإلهام لحركة السوق، ورغم تقدم هواوي إلا أن هذه الشركة الناجحة ما زالت تقوم على استلهام تجارب الشركات الأمريكية على وجه الخصوص، فالعقل الأمريكي أكثر حيوية على الابتكار.

والعامل السادس: هو ربط الدولار، وهذا يعود بنا إلى عامل التحالفات، فهذا العامل الأخطر يجعل اقتصاد أمريكا لدى معظم حلفائها أهم من الاقتصاد الصيني، خاصة عند بيع النفط بالدولار بدل اليوان، وهو ما يغذي الاقتصاد الأمريكي، ويدفع أمريكا إلى حماية حلفائها.

والعامل السابع، هو الخبرة، فخبرة أمريكا الحضارية الحديثة أكبر وأقدم من الصين، فنحن لا نتحدث عن موروثات الحضارة التي تمتد آلاف السنين، والتي قد تسقط وتتراجع في بعض الحالات، ولكننا نتحدث عن خبرة الدولة والشعب في النمو والتقدم. فأمريكا الحديثة تأسست عام 1776، أما الصين في 1949، لذلك نجد أن عمر أمريكا يزيد على 244 سنة، والصين 71 سنة، وحتى لو اعتبرنا أن تأسيس الصين كان في 1912 مع سيطرة الشيوعية، إلا أن هذه المرحلة -أيضا- كانت محاولة مستمرة لظهور الدولة المستقرة، والتي انطلقت في 1949.

إجمالا، لا يشير ذلك إلى تراجع الصين، بل إن لوجودها ومنافستها القوى العظمى في العالم دورا إيجابيا على إحداث التوازنات، والتقليص من الفوضى التي تحدثها أمريكا بين الحين والآخر، ولكن الصين لن تستطيع إحداث تغيير نوعي في شكل التحالفات أو الاقتصاد العالمي، ولا حتى في السيطرة على الحروب والفوضى، ولكنها ستظل كما هي تتدخل ولا تدخل في مواجهة، تنافس ولا تُصعّد إلى مرحلة تكسير العظام، تحمي نفسها ولا تتحرك للمهاجمة إلا عند الضرورة.

على صعيد آخر، سنتحدث عن بلادنا ودورها في هذه القيادة للعالم. فالسعوديون بصفتهم عرب الجزيرة، وورثة إحدى الحضارات التي قادت العالم أجمع، وتفوقت على حضارات مثل الصين في نشر ثقافتها، فهي دولة لشعب يملك هذه الموروثات الكامنة التي تدفعه إلى المشاركة في قيادة العالم، وهو ما نراه في الدور السعودي لقيادة سوق النفط، وما نراه من فرض السعودية مكانتها الدولية، رغم الفروقات الهائلة مع الدول العظمى في التعداد السكاني وقوة الاقتصاد، وهو ما لم يحدث عبثا بل حدث بتلقائية تاريخية لشعب وقيادة تملك هذه الموروثات القيادية منذ فجر التاريخ، كما أن ظهور شخصية قيادية عظيمة، مثل ولي العهد، لم يحدث أيضا بشكل طارئ أو صدفة تاريخية، إنما هو استمرار لقيادة متمرسة في الحكم والرئاسة، وهذا لا يعني بأي شكل أننا نتحدث عن قيادة العالم حضاريا وسياسيا واقتصاديا، ولكننا نتحدث عن الموروثات الكامنة التي تؤهل بلادنا إلى الاستمرار في التطور والتقدم وقيادة المنطقة لمستقبل أفضل، فهي تملك الشخصية القيادية، وتملك الخبرات السياسية، ولديها زعيم يملك طموحات لأن نكون الأعلى في كل شيء تصل إليه أيدينا، وهو ما يفرض علينا -كشعب- أن نستمر في تطوير خبراتنا الشعبية، والمكافحة لتحقيق هذه الطموحات عبر مسابقة الزمن، لأن السعوديين هم الأقدر على قيادة المنطقة والعالمين العربي والإسلامي، ويملكون في موروثاتهم القدرة على المشاركة في ريادة العالم.