مخالفة
رأى الدكتور العنزي، أن»هذه الدعوة أو الأمنية تخالف وحدة علم النفس من حيث النظرية والموضوع «السلوك والعقل»، وتخالف فلسفة العلم وتصنيف العلوم الأساسية حسب موضوعاتها أو الظواهر التي تدرسها. ولو اتبعنا هذا الاقتراح فيما يتعلق بكلية الطب، لطالبنا -على سبيل المثال- بترحيل فروع جميع العلوم الأساسية التي لها صلة بالصحة إلى كليات الطب، فننقل من الأحياء على سبيل المثال علم أحياء الهواء، والهندسة الحيوية، والأحياء الدقيقة، وعلم أحياء الخلية، والتشريح الحيوي. ولنقلنا من الفيزياء الفروع التي لها علاقة بالطب والصحة، ولرحّلنا تخصص علم الاجتماع الطبي أيضا إلى كلية الطب، ولأضفنا أيضا علوما مثل النانو تكنولوجي والأشعة أيضا إلى كليات الطب. وحسب هذا التفكير لا أدري ما التخصص الذي لا يمكن ترحيله إلى كلية الطب!. المشكلة الظاهرة في هذا المنطق، تكمن في ضبابية الرؤية للحدود الفاصلة بين العلوم ونقاط التقائها، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة بين العلوم الأساسية الـ5 «الاجتماع، علم النفس، الأحياء، الكيمياء، الفيزياء» من جهة، والعلوم التطبيقية والمهنية من جهة أخرى. ولأن لكل علم من العلوم الأساسية الـ5، نوعا من الظواهر يختص بدراسته ويعرف به، سنجدها في كل العلوم التطبيقية. فالفيزياء تمتد إلى كل المجالات التطبيقية، وكذلك الكيمياء، وكذلك الأحياء، وكذلك علم النفس والاجتماع. فليس من الممكن والمعقول أن تفتح أقسام هذه العلوم في كل الكليات التي تستفيد من إنتاجها الفكري والتقني.
فكرة تجزيئية
ثانيا، «تحدث الدكتور سعيد وهاس، عن أهمية السلوك والعمليات الإدراكية «الذهنية» في الصحة وفي كل مجالات الحياة، وهذا أمر مُسلّم به. ولكن بما أن علم النفس بكل فروعه يدرس السلوك والعمليات العقلية، فيجب أيضا -حسب منحَى د. سعيد- أن يؤسس قسم علم نفس بكل تخصصاته في كلية الطب، وكلية الهندسة، وكلية التمريض، وكلية الإدارة، وإلى أي كلية يتعلق موضوعها بالسلوك والعقل، أي أن يكون هناك قسم علم نفس كامل بجميع تخصصاته في كل كلية جامعية، وذلك لأن تخصصات علم النفس النظرية العامة والتطبيقية مترابطة -موضوعًا ونظريةً ومنهجا- فلا وجود لعلم نفس عيادي أو إداري أو صناعي، دون تخصصات علم النفس الأخرى، التي تمد هذه التخصصات بالمعرفة والمفاهيم النظرية والمناهج البحثية. ثالثا، طرح وهاس فكرته التجزيئية مع حديثه عن الخطة الوطنية لتطوير عمل الأخصائي النفسي والعلاج النفسي، والتي حصلت على الموافقة الملكية السامية. ولم يتضح لي هذا الربط، فوجود علم النفس في هذه الكلية أو تلك لا علاقة له بالموافقة الملكية على خطة تطويره، إذ إن جودة التعليم في كل التخصصات تعتمد على محتوى البرامج وجودة البحث وطرق التدريس، وليس على مكان أقسامها. فعلم النفس العيادي يقدم في كليات عدة، أكثرها شيوعا كلية العلوم والآداب، أو كلية الآداب، أو كلية العلوم الاجتماعية والسلوكية، أو كليات العلوم الصحية، أو في كليات علم نفس مستقلة، وينطبق هذا على كل تخصصات علم النفس التطبيقية المهنية. وأخيرا، إن جودة التعليم في أي تخصص نظري -عام أو تطبيقي- تكمن في تطوير بنية برامجه وآلية تنفيذها والإشراف عليها، وليس في مسخها بهويات تبتعد بها عن موضوعها وفلسفتها ومبادئها الأساسية.