كانت البنيوية من النظريات المثيرة للجدل، لا سيما أن تعريفها ظل غامضا وضبابيا إلى حد كبير، بعد أن تحولت إلى أشبه بالإيديولوجيا، أو التيار المضاد في الثقافة العربية، ولكن هذا لا يمنع من تأثيرها العميق في دراساتها للثقافة العربية، وخاصة أنها أخذت تدرس التراث العربي وفق رؤية لا تخضع بالضرورة للتسلسل التاريخي، وكأن الحقبة التاريخية والظروف الاجتماعية التي انتجت هذا التراث غير موجودة، فهي تدرس بنية النص وتبين العلاقات التي تربط كيانه اللفظي المادي لتصل إلى حكم أدبي مطلق، وتهمل الوحدة الموضوعية للنص ودوافع إبداعه وأثر المبدع فيه، ومن هنا تقع في فخ التحليل أو التفسير الميكانيكي للنصوص.
فالبنيوية اتجاه يهدف لدراسة النصوص للكشف عن نظام عملها، والقوانين التي تحكم عناصرها ولكن بعد أن تفصل النص، عن مقاصد الكاتب، وتضعه بيد القارئ الذي يقوم بدوره بعملية التفكيك والتركيب وإعادة إنتاج بنية النص، لتكون قابلة للاختراق والتجاوز للوصول لقراءة جديدة للنص، بعدما أخرجته من سياقه وتاريخه وجعلته نسقا مفتوحا على نفسه وعلى أنساق أخرى.
وبالتالي تتحول السلطة من كاتب النص إلى القارئ الذي يصبح هو كاتب النص، فيقوم بإعادة التركيب والتأويل للمعاني، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى تجاوز مقاصد المؤلف، وهنا تكمن الإشكالية في استزراع البنيوية في التربة العربية -ذات البعد الروحي- التي يمثل النص القرآني فيها نصا مركزيا تدور حوله غالب الدراسات العربية القديمة، لمحاولة التعرف على أوجه الإعجاز البلاغي والبياني فيه والوقوف على تفسير معاني التنزيل.
ترتبط الثقافة العربية بالقرآن الكريم بشكل كبير، وكثير من الأشعار العربية كانت مرجعا لتفسير آيات قرآنية عديدة، وما أنتجته الثقافة العربية من نصوص أدبية واقع أيضا تحت تأثير القرآن الكريم، بما أنها تستعمل لغة القرآن أي اللغة العربية الفصحى. فهل يمكننا النظر إلى نصوص الحضارة العربية والإسلامية -كوننا امتدادا لهذه الحضارة- وفق رؤية الأطروحة البنيوية وما تفرضه من حدود بين النص وكاتبه، تجعلنا لا نسلم إطلاقا بأن القراءة بالمفهوم البنيوي عملية بريئة خالية من التعسف الواعي وغير الواعي؟