لا شك أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي وصلنا لها عالميا (والسعودية جزء من العالم) بعد جائحة كورونا الجديد COVID -19، أدت إلى عدم وضوح بالرؤية فيما يخص الأداء الاقتصادي على المستوى المحلي والعالمي، وسرعة تعافي القطاعات الاقتصادية، وبالتالي صعوبة توقع الدخل المتوقع من الأنشطة الاقتصادية في كل دول العالم.

والسعودية كدولة بترولية تعتمد مداخيلها بنسبة كبيرة على تصدير النفط ومشتقاته ستكون في عين العاصفة خلال مرحلة التعافي من آثار جائحة كورونا كغيرها من الدول المصدرة للنفط، كون أسعار النفط متقلبة وغير ثابتة، ولا بد لنا وكما أوضح وزير المالية محمد الجدعان خلال لقائه بقناة العربية أخيرا حول ضرورة اتخاذ بعض الإجراءات التقشفية الصارمة والمؤلمة لتفادي ما هو أسوأ والدخول في نفق مظلم اقتصاديا.

وخلال تلك المقابلة تطرق الوزير الجدعان إلى أن المشاريع التنموية المعتمدة بالميزانية ستتم إعادة ترتيبها حسب الأولوية بناء على العائد والتأثير الاقتصادي لكل مشروع، وبناء عليه أي مشروع سيكون العائد عليه منخفضا سيتم تأجيله أو إلغاؤه، وهذا مبرر مقبول جدا في ظل الظروف السلبية الحالية، ولكن أودّ أن أطرح لله ولحكومتنا الرشيدة فكرة التوسع في التحالف مع القطاع الخاص، وتمكينه خلال الفترة القادمة عن طريق تبني نهج «البناء والتشغيل ثم إعادة ملكية المشروع للدولة بعد مدة يتفق عليها بين الطرفين، وهو ما يعرف بـ«Build, Operate & Transfer - B.O.T».

هذا النموذج في تنفيذ المشاريع نجح بشكل لافت في معظم الدول النامية والمتقدمة خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث إنه وفي حال اعتماده والتوسع فيه سنتجنب -بعون الله- قرار إلغاء أو تأجيل كثير من تلك المشاريع التي سيؤدي تأجيلها أو إلغاؤها إلى إغلاق أو تقليص عدد وحجم شركات المقاولات الكبرى، وكنتيجة طبيعية سيؤدي هذا لخروج المئات من المنشآت الصغيرة والمتوسطة من السوق، والتي يمكنها الاستفادة من عقود هذه المشاريع، وبالتالي ارتفاع نسب البطالة والضغط على خدمات الضمان الاجتماعي وإضعاف مداخيل مؤسسة التأمينات الاجتماعية.

إن الانفتاح على نهج B.O.T في تنفيذ المشاريع الحكومية خلال المرحلة القادمة سيمكننا من المحافظة على وتيرة التنمية الاقتصادية وخلق فرص وظيفية جديدة، ويحافظ على استمرارية الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال العمل على تنفيذ هذه المشاريع كمقاولين من الباطن، ولن تتكلف خزينة الدولة في بنائها أو إدارتها أو تشغيلها ريالا واحدا، وكل المطلوب هو تقديم التسهيلات بالإجراءات والشروط كي تشجع القطاع الخاص على الدخول في شراكات مع القطاع العام لتنفيذ وتشغيل وإدارة تلك المشاريع على أسس ربحية تجارية حسب عقود الـB.O.T الصريحة، أو الصيغ الأخرى المشتقة منها من خلال تعديل الأنظمة لتتواءم مع هذا النشاط خلال السنوات المقبلة.

ولا بد من تحفيز المستثمرين بالقطاع الخاص عن طريق تقديم حزمة تشريعية تشمل زيادة سنوات استفادة المستثمرين للمشروع من 30 - 49 سنة فقط إلى 55 - 60 سنة، وعدم اشتراط نسبة من الدخل إلا بعد الوصول إلى نقطة التعادل للمشروع حسب دراسة الجدوى، وكذلك العمل على تسهيل إجراءات تسليم الأراضي والأعيان للمستثمرين دون تعقيدات إجرائية قد تؤدي إلى عزوفهم.

ومثال على ذلك، يمكن إشراك القطاع الخاص في عدة قطاعات واعدة مثل الطاقة والمواصلات والرعاية الصحية، وإذا أخذنا قطاع الرعاية الصحية كمثال نجد أنه من الممكن جدا تسليم مشروع أحد المستشفيات للمستثمرين وفق منهج B.O.T بتسليم أرض المشروع (أو المبنى) مع إصدار التراخيص اللازمة للمشروع من الجهات ذات العلاقة بشكل فوري، ويعطى للمستثمر فترة سماح دون دفع أي رسوم أو نسب من الأرباح لمدة 7 سنوات من تاريخ استلام المشروع فعليا، ليتمكن القطاع الخاص من القيام بدوره في البناء والتجهيز ومن ثم التشغيل والإدارة على أسس تجارية، وتقديم خدمات صحية مدفوعة الثمن، سواء على حساب العميل أو من خلال بوليصة التأمين الصحي التعاوني، أو من خلال شراء الحكومة للخدمة الصحية منهم مستقبلا.

وبذلك نحقق كل الأهداف الاقتصادية من خلال المحافظة على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتوليد فرص العمل دون الاعتماد على مساعدات حكومية أو صرف من بنود الميزانية العامة، أو تحميل الدولة أي قروض جديدة لتنفيذ هذه المشاريع.