لست خبيرا في كرة القدم، لكنني لم أكن غريبا "أيام الشباب" عن الملاعب، أو عما كنا نسميه كذلك من ساحات وفسح لم تكن تملك من صفات الملاعب شيئا سوى أنها توفّر مساحة للتباري بين فريقنا والفريق الخصم من أبناء قريتنا أو من أبناء قرية مجاورة. في هذه الحالة الثانية كانت المباراة تأخذ بعدا "إقليميا".

ومثل مئات الملايين أتابع هذه الأيام على الشاشة الصغيرة، وبدرجة عالية من "الالتزام" والحماس، منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم في جنوب أفريقيا. وكنتيجة أولى كانت خيبة الأمل كبيرة بالفريق الوطني الفرنسي الذي "سوّد وجه" هذه البلاد التي أحمل هويتها بعد إقامة تزيد عن الثلاثة عقود من الزمن.

لقد خرج الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم من مباريات البطولة بما يشبه "الفضيحة". هذا بعد أن كان قد تأهّل لخوضها بـ "فضيحة حقيقية "وبفضل الهدف الذي سجّله اللاعب الفرنسي تييري هنري بـ"يده" في الدقائق الأخيرة من المباراة الفاصلة ضد أيرلندة التي سادت في الملعب وكانت الأجدر والأكفأ للتأهيل.

وخرج الفريق الوطني الإيطالي لكرة القدم، "حامل اللقب" كما يقولون في القاموس الرياضي، من الدورة الأولى بعد خسارته أمام فريق سلوفاكيا، البلد الصغير الذي أصبح العالم كلّه يعرفه من بوّابة كرة القدم وتأهله للمرحلة الثانية إلى"الدور الثاني". لا يهم أن سلوفاكيا قد خسرت فيما بعد أمام هولندا فقد خرجت من الباب الكبير. الإيطاليون كلّهم تلقوا هزيمة فريقهم وكأنها "مأساة" وطنية حلّت ببلادهم.

لكن، وفيما هو أبعد من هذه الملاحظات السريعة في الرياضة، هناك دروس تسترعي الانتباه في بطولة كأس العالم لكرة القدم وفي نتائجها بدورتها الحالية. الدرس الأول هو أن فرق بلدان القارّة الأمريكية، وخاصّة بلدان جنوبها، وبلدان آسيا ـ بما فيها كوريا الشمالية ـ أثبتت حضورها الكثيف في التأهّل للمشاركة في منافسات البطولة ثم دعّمته أكثر عبر تأهّل العديد منها إلى المرحلة الثانية ثمّ الثالثة.

أين الفرق العربية من هذا كلّه؟!

الجميع يعرفون أن الفريق الوطني الجزائري هو الوحيد الذي تأهّل للمشاركة في مباريات كأس العالم. كانت قلوبنا معه، لكنه لم يتجاوز للأسف المرحلة الأولى. صحيح تحلّى لاعبوه بقدر كبير من الشجاعة، ولكن بدا واضحا أنهم "لم ينضجوا" رياضيا بالدرجة الكافية "التي تسمح لهم بالذهاب أبعد. للتذكير كانت آخر مرّة وصل فيها فريق عربي إلى الدور الثاني هي في عام 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية مع تأهل الفريق الوطني السعودي. هذا بعد سابقة المغرب عام 1986 في المكسيك.

فلماذا هذا الغياب العربي عن مثل هذه التظاهرات الرياضية الكبرى؟ وأين مكمن الخلل؟

"التبريرات" المقدّمة عامّة لها ما ينقضها في الواقع. الإمكانات الماديّة عندنا ليست أقل من غانا ومن سلوفاكيا ومن كوريا الشمالية ومن الهندوراس والأورجواي والباراجواي وغيرها. وتاريخنا "الكروي" ليس أقل عراقة من تاريخ الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزلندة التي شاركت، ثلاثتها، في مباريات كأس العالم بجنوب أفريقيا هذا العام. للتذكير تأهّلت مصر لخوض "المونديال" عام 1934 في إيطاليا، لكن الحصيلة العربية في المشاركة بهذه البطولة عبر تاريخها كلّه تبقى "هزيلة" مهما كانت الزاوية التي يستمد النظر منها..

من المفهوم، والمؤلم بالوقت نفسه، أن تتراجع بلدان كانت قد حققت في السابق نجاحات كبيرة مثل فرنسا وإيطاليا. المهم عدم احتلال الموقع المتراجع باستمرار. ويكفي القليل من الملاحظة كي نفهم أن صعود البعض وتراجع آخرين ومراوحة الباقين في المكان هي أمور لا تحدث بمحض الصدفة. إنها تعبير صريح عن إرادة النهوض والانتماء إلى العصر بل واكتساب موقع متقدم فيه، وذلك على خلفية فهم أن التظاهرات الرياضية الكبرى، تنظيما ومشاركة، أصبحت وسيلة ـ بين وسائل أخرى ـ وواجهة كونية هامّة في عصر العولمة، ولم يكن ذلك غريبا عن إرادة الدول التي برزت كرويا ولا عن تفكير جنوب أفريقيا في استقبالها للبطولة الحالية لكأس العالم لكرة القدم ولا عن تفكير الصين عندما نظّمت الألعاب الأولمبية في صيف عام 2008.

إن العديد من البلدان الصاعدة اقتصاديا والباحثة عن الحضور المتنامي على الساحة الدولية بدأت تحقق ما يواكب هذا الصعود على صعيد الانتصارات الكروية. والقاطرة "المتقدّمة" تجرّ معها بلدانا أقل تقدما مثل كوريا الشمالية.

فمتى يأتي دورنا؟!