قال أحد شعراء العرب: إذا لم تكن ذئبا على الناس أجرداً كثيرَ الأذى بالت عليك الثعالبُ

وقال آخر: إذا كان الطباع طباع ذئب فلا أدب يفيد ولا أديب

ويقال بين العامة «خلك ذيب» ـ أي كن كالذئب ـ وهي ثقافة انتشرت بكثرة، بهدف الحث والتحفيز وإشاعة الحماسة، وقد ظهرت في مجتمعنا كعبارة مجازية، لكنها تجنح أحياناً في مفهومها لدى البعض، لتحمل كثيراً من المعاني والمفاهيم المغلوطة والممارسات الخاطئة، حيث يحث بعض الآباء أبناءهم على التحلي بصفات الذئب، مكثراً من ترديد عبارة «خلك ذيب» تحفيزاً وتشجيعاً، لكنه قد يقودهم ـ بشكل خاطئ ـ من حيث لا يدري إلى فهمها بشكل مغلوط، يقود الأبناء إلى التنمر والتعدي على حق الآخر، والاعتداء عليه.

التراث

اختار العرب منذ القدم «الذئب» رمزاً للشجاعة والأنفة والكبرياء، وروي وقيل عنه كثير من القصائد والقصص والروايات، وقد أكثروا في مدحه، حتى حفلت نصوصهم الأدبية بكم هائل من ذكره، وبشكل يفوق سواه من الحيوانات.

ولم يكن مرور العرب على «الذئب» في أحاديثهم وشعرهم وقصصهم، مروراً اعتباطاً أو توظيفاً شكلياً لحضوره فقط، بل تمثلوه في كثير من حالاتهم، خصوصاً وأنه كان عنصراً هاماً من عناصر الصحراء التي نشأوا فيها، حتى أن القرآن الكريم ذكره في ثلاثة مواضع في سورة يوسف، كما ورد كذلك في الأحاديث النبوية، وفي الأديان والأساطير وأحاديث الرسل والأنبياء، والشعر والنثر والحكايات.

وأكثر الشعراء العرب من ذكر الذئب، فتم إحصاء أكثر من 150 شاعراً في مختلف عصور الأدب العربي تحدثوا عن الذئب مثل امرؤ القيس، المتنبي، طرفة بن العبد، أبو كبير الهذلي، حماد عجرد، عبدة بن الطيب، ابن قيس الرقيات، بشار بن برد، معاوية بن أبي سفيان، بيهس، ابن هانئ الأندلسي، ابن سنان الخفاجي، مالك بن الريب، تأبط شراً، الشريف المرتضى، الدريد بن الصمة، وغيرهم.

وحضر الذئب في تراث العرب على مختلف صوره، وأماكن تواجده، تمجيدا للقوة المقرونة بالمكر والخداع، ورمزا للتفرد والصبر والافتراس والكسب واليقظة والانتقام، وكذلك رمزا للكمال الذهني والقوة الجسدية والاعتزاز النفسي.

المفهوم

عُرف مفهوم «خلك ذيب» في مجتمعنا في الغالب كتوجيه يقدمه الآباء للأبناء، مطالبين إياهم بالتحلي بصفات الذئب، بمعنى عدم التنازل عن حقهم للآخرين، وأحيانا تقديم مصلحتهم الشخصية أولاً، بما يخالط ذلك من انتهازية وغريزة أنانية، حتى لو كلف الأمر هضم حقوق الآخر والتنمر عليه.

يقول المحلل النفسي، المتخصص في الدراسات والقضايا الأسرية والمجتمعية الدكتور هاني الغامدي إن «ثقافة «خلك ذيب» التي تفشت كثيراً في الآونة الأخيرة، وبكل أسف، تطالب بأن يتمثل الإنسان بصفة من صفات الذئب، وكما هو معروف فإن الصفات الأشهر للذئب هي المكر والخداع وعدم الولاء».

وتابع «عبارة «خلك ذيب» لها مفهوم ترسخ في عقول بعض الأشخاص، الذين يجعلونها مرادفا للقوة وأخذ الحق بما هو ليس بحق، بمعنى أن الحق يؤخذ دائماً ضمن المعطيات والعناصر التي تثبت الحق أمام القضاء أو أمام الوجاهة الاجتماعية أو أمام الله قبل كل شيء، أما أن يكون الإنسان ذئباً ويستأصل الأمور بقوته أو أخذها دون حق شرعي أو نظامي أو قانوني، فهذا أمر يفترض أنه انتهى منذ زمن طويل، فنحن نعيش اليوم بفضل من الرحمن في دولة النظام والقانون».

ويتابع «إذا قصد بعبارة «خلك ذيب» أن تلجأ للقانون وتتمسك بحقك وتطالب بما هو لك فلا ضير، أما إذا كان الأمر يعني أن يأخذ الإنسان الحق ـإن كان حقاً ـ بطريقة ليست حقاً، فإنه يكون قد خالف الشرع وخالف القانون والنظام، وعليه تحمل تبعات تصرفاته، ومن هنا يجب التوقف عند استخدام هذا المصطلح بمفهومه المغلوط، والذي قد يعطي مبررا للبعض خصوصاً السذج لأخذ الحق بالقوة «بيدي لا بيدي عمرو» وليس بيد القانون».

ولا ينكر الغامدي أن مفهوم «خلك ذيب» قاد كثيرين للدخول في «هياط» مستنكر، وهو سلوك لا يقبله الله ولا رسوله ولا المؤمنون ضمن زمن ساد فيه القانون والنظام والعدل.

رؤية القانون

على نحو خاص، يؤكد المحامي نواف النباتي أنه يشجع ثقافة «خلك ذيب»، إذا ما كانت ترمي إلى حفظ المرء للقانون والإلمام التام باللوائح والأنظمة والتعليمات، بما يضمن له حفظ حقه لدى الآخرين.

ويقول «لا بأس من التمسك بهذه الثقافة إذا عنت تصرف الشخص لأخذ حقه تصرفاً قانونياً، وهي بالنسبة لي تعني كن ذئباً واعرف حقوقك، وما الذي لك، وماذا عليك، وحينئذ ستعرف أنه عندما يعترضك أحد ويسلب حقك، فإنك تستطيع أن تلجأ للنظام لاسترداد حقك، وكلما كنت حافظاً للقانون ومطلعا على اللوائح والأنظمة، زاد حرصك على حفظ حقك».

وأضاف «أما مسالة أن يتخذ الشخص عبارة «خلك ذيب» ذريعة للتعدي على الآخرين، ووسيلة لأخذ الحق باليد، دون اللجوء إلى القانون، فهذا تصرف لا يليق بالقانون والنظام، فالقوانين وجدت لحفظ حقوق الناس، أما تجاهلها فيضيع الحق من أصحابه».

الغاية

لا يجد الاستشاري التربوي الدكتور أحمد النجار غضاضة في استخدام مصطلح «خلك ذيب»، ولا يجده مصطلحاً سيئاً في حد ذاته، لكنه يركز على جانب مهم يتعلق بكيفية استخدام المصطلح، وما الذي نرمي إليه من استخدامه.

ويقول النجار إن «ثقافة «خلك ذيب» ثقافة جيدة جداً، لكن ما يحدد جودتها من عدمه هو الكيفية والقصد من استخدامنا لها، وبما نزرعه للمتلقي من استخدامنا لمصطلح «خلك ذيب»، فإذا كان القصد التعدي على الآخر أو ثقافة مثل ما يقال في جدة «من يفقع لك عين افقع له سن»، أو ثقافة البغض والاعتداء على الآخرين والعنصرية، وخذ حقك بيدك، فهذه قيمة سلبية ننحرف بهذه العبارة عن معانيها الإيجابية ونوغل في المعنى السلبي حين نروج لها.

إيجابيات وسلبيات

يرى الدكتور الاستشاري التربوي الدكتور محمود عسيري أن ثقافة «خلك ذيب» يجب أن تُلغى من قاموس التربية، لأنها ذهبت في التطبيق نحو المنحى السلبي، وهي بمفهومها السائد تؤثر سلباً على نشأة الطفل، حيث من شأنها أن يعتقد كل شخص أنه هو «الذئب»، وحين تتلاقى الذئاب فإنها تفعل لتتعارك.

وأضاف «يجب أن نوجد البديل، فثقافة «خلك ذيب» بوضعها الحالي تحمل كثيرا من السلبيات التي تعزز في ذهن الابن ثقافة التعدي على الآخر، وسلبه حقه، ويعتقد الطفل بموجبها أن كل شيء ليس له من حقه أخذه».

وتابع «ثقافة «خلك ذيب» قد تحمل بعض الإيجابيات، لكن ليس للطفل، لأنها تصله بمفهوم خاطئ.. يمكن استخدامها للشخص العاقل البالغ، بحيث تكون بمثابة تشجيع له في إنجاز عمل أو مهمة موكلة له».

منظومة

أضاف النجار أن «التربية الآن باتت منظومة، تؤثر فيها أكثر من جهة، وإذا أردنا أن نعزز قيمة ما، سواء أكانت ثقافة «خلك ذيب» أو غيرها، لا بد أن تكون التربية مبنية على شراكة حقيقية واضحة الأهداف وواضحة المعالم، تتداخل فيها كل الجهات المعنية، بما أن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والمؤسسات التربوية المؤثرة الموجودة حالياً مثل المنابر في المؤسسات الدينية والمؤسسات التعليمية عبر المدارس، وكل هذه يجب أن تعمل على إعلاء القيم الإيجابية، والاهتمام بجانبها المشرق، والتركيز على جوانبها السلبية لتجنبها».

الذئب

02 حيوان من فصيلة الكلبيات

01 من رتبة اللواحم

الذئب لدى العرب

رمز للشجاعة والأنفة والكبرياء

تمجيد للقوة المقرونة بالمكر والخداع

رمز للتفرد والصبر والافتراس والكسب واليقظة والانتقام

رمز للكمال الذهني والقوة الجسدية والاعتزاز النفسي

3 مواضع مر فيها ذكر الذئب في القرآن بسورة يوسف

150 شاعرا وأكثر ذكروا الذئب في قصائدهم

مسمياته لدى العرب

النهشل - الأوس - أجرد - الخاطف - أطلس - ذؤالة - أمعط - شيدمان - أسحم - عملس

أمثال قيلت عن الذئب

إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب

يبدل الذئب وبره لا طبعه

«الذيب» ما يهرول عبث