أتوجّه بهذا النداء إلى معالي وزير التعليم أولا، وإلى كل ذي رأي وصاحب قرار في الوزارة، وفي هيئة تقويم التعليم. لا شك أن القرارات التي اتُّخذت بشأن اختبار طلاب الثانوية «مرة ثانية»، من خلال مركز قياس لم يكن فرديّا، ولم يكن اعتباطيّا. لكن أولا -وقبل كل شيء- ألم يحن الوقت لنفهم أن أي قرار يمسّ شريحة كبيرة من الناس لا بد أن يبدأ من القاعدة، أو على الأقل تؤخذ منها تغذية راجعة؟ ألا نستأهل بَعدُ، أن نكون شركاء في صنع القرارات؟ لكن وبعد سنوات من التجربة، لا بد أن يفتح النقاش للجميع، ولتسمع الجهات المعنية بشكل مباشر آراء المواطنين في محاولة جادة لتقييم التجربة. لقد كانت تجربة فيها بعض النجاح، لكن فشلها تجاوز النجاح، أقل ما أستطيع قوله. إذا كان الهدف الأسمى هو الارتقاء بجودة التعليم -متمثلا في مخرجات الثانوية- فالفكرة نبيلة، لكن كيف؟! هل الآلية أن نعيد اختبار الطلاب مرة ثانية من خلال امتحان «أسمته الهيئة تحصيليّا» في ساعتين أو ثلاث، ونضع عليه نسبة «40 %»؟ بحجة تكررت -بشكل غير مباشر وأحيانا مباشر- مفادها التحقق من صحة نتائج المدارس؟، أي منطق هذا؟! هل هذا هو الحل لرفع جودة التعليم؟ أم هو أن هناك شكّا واضحا في مخرجات المدارس، والطريقة الأسهل تتمثل في إعادة اختبار الطلاب؟ أليس الأسهل فعلا أن تكون الأسئلة من الوزارة نفسها -مثلما كنّا عليه سابقا؟، أليست هذه هي الطريقة المثلى لضبط ورفع الجودة؟. بلى، لكن لم ترد الجهات التي هندست هذه الخطة أن تتبع الطريقة الثانية! لماذا؟ لا ندري!. والأدهى أننا لم نسمع ولا حتى بدراسة عن هذا الموضوع من الوزارة على الأقل، إذا افترضنا أن الهيئة ترى أنها المعنية فقط بجودة التعليم!. ثم، أليس على الأقل أن تكون النسبة لهذا الاختبار «التحصيلي» في حدود «20%» بالكثير؟ هل تدرك الوزارة -والهيئة في مقدمتها- حجم الضغط النفسي الهائل وتبعاته على الطلاب وأولياء أمورهم؟ وأقصد أن تدرك فعلا. لا أظن أن الإدراك تحقق بعد. ثم من قال إن الاختبار التحصيلي سيضمن تحديد من يصلح للجامعات، ثم ضمان عدم التسرب، حسب ادعاء الجامعات والهيئة؟. ويا للمفارقة، لم تعجب الجامعات هذه الوصفة، بل استحدثت برنامج السنة التحضيرية أو المشتركة!، فقط إمعانا في التصفية، وكأن هذا حل مشكلة الجامعات في تسرب الطلاب! هذا الذي يحدث تدميرا غير مبرر وغير مقبول، وليس ارتقاء بالعملية التعليمية، سواء في المرحلة الثانوية أو المرحلة الجامعية. ثم الطامة الثانية: اختبار القدرات؟! أي قدرات تقيسها الهيئة؟. المنطق العلمي والتربوي يقول: لا تقيّم دون إعداد. فأين القدرات التي تقدم للطلاب خلال كل مراحل التعليم العام؟، فإذا لم يقدم التعليم مناهج مختلفة لتدريب وتعليم الطلاب بأساليب مختلفة، وبشكل مباشر وغير مباشر، مناهج تركز على المهارات والقدرات، فكيف تقيس الهيئة شيئا غير موجود؟! كيف نقيس مقدرة الطالب على المنطق مثلا ونحن لا نقدمه للطالب في التعليم العام؟ كم طالب أو طالبة تنكّدت حياتهما باستحالة الحصول على درجة مناسبة في هذا الاختبار، مما حال دون الحصول على مقعد في الجامعة؟ والأدهى والأمر أن توضع نسبة مجحفة بمقدار «30 %». وبهذا التقدير السيئ، يصبح لاختبار الثانوية نسبة «30 %» فقط. هل كل هذا لأن جامعاتنا -مثلا- في مصاف الجامعات المتقدمة في كل التخصصات، وأن من يدخلها لا بد أن يكون نابغة؟ أم أن الهدف -مثلا- محدودية المقاعد؟ من قال هذا ونحن تخرجنا ودرسنا في الجامعة، وتخرجنا فيها ثم درسنا في أرقى الجامعات العالمية دون مشكلة سوى مشكلة اللغة في البداية. وباختصار، أتوجه للوزير ولهيئة التقويم بالدرجة الأولى في سرعة رفع هذا الضرر غير المبرر بأي طريقة، وأنا أقول هذا من رحم جامعة محلية، وأب لأبناء عانى ولا يزال مثل كل الآباء في وطننا الغالي على مدى هذه السنوات العجاف، نتيجة قرارات الهيئة التي ما فتئت تتفنن ليس في أسئلتها فقط، بل في تجاهل أي طلب بمراجعة هذه الاختبارات، التي لم تقدم للتعليم شيئا واضحا سوى تعقيد أبنائنا. وأنا هنا لا أعترض على فكرة القياس، لكن لتكن هناك مراجعة، أما أمر توزيع النسب فيكون للوزارة على أقل تقدير. والله من وراء القصد.