فنشرات الأخبار والتقارير الصحافية مثلاً تحدثت تقريباً عن كل ما يتعلق بهذه الجائحة واستضافت عبر منصاتها كل المحللين بتخصصاتهم كافة، وراحت تسبر غور المرحلة من منطلق (ما قبل وما بعد) أي ما قبل كورونا وما بعدها، في دلالة صارخة على أن الكون بكل ما فيه مقبل على تغييرات، ومتغيرات جديدة في المجالات كافة، التي تتماس مباشرة مع الإنسان بوصفه الكائن الأكثر تأثراً بهذه الجائحة، فما بين متحدث عن تغيير في موازين القوى الدولية سياسياً وما بين متحدث عن تغييرات في موازين القوى الاقتصادية تحدث الكثير من المحللين عن تغير في شكل الحياة الاجتماعية بشكل عام، دون أن يتوصلوا إلى نقطة التقاء تؤكد لهم وبالبراهين الدامغة حقيقة وواقع ما يقولون.
وبين كل أولئك الذين تحدثوا ولا زالوا يتحدثون، يقف الإنسان البسيط الذي لا يعنيه شيء من كل ما سبق بقدر ما يعنيه التصالح «مكرهاً» مع القرارات الوقائية التي حرمته من تحصيل قوت يومه أو من قضاء يوم ممتع مع أسرته في مكان مليء بالذكريات الجميلة؛ يتأمل فكرة وفلسفة «الإكراه» التي ألزمته بالبقاء في منزله، يستحضر أزمان حريته التي أصبح يراها أزماناً ماضية يستذكر منها اللحظة التي كان يستطيع فيها أن يدير محرك سيارته في منتصف الليل، ويذهب لشراء وجبة سريعة من مطعم يحبه دون أن يجتاح صفاء مزاجه سائل عن أسباب خروجه ومكان وجهته التي يرغب في الذهاب إليها.
إن الإنسان البسيط في الواقع لم يعد يعنيه وبعد أن تقلص سقف طموح الحرية لديه واختزله في سطح منزله، كما لو أنه «سطح الكون» يمارس فيه كل حريته برقابة مباشرة من «سيدة المنزل».. أقول إن هذا الكائن البسيط لا يعنيه ما إذا تسيدت العالم دولة كالصين أو أمريكا، ولا يعنيه إذا ما كانت العولمة القادمة هي عولمة «التباعد الاجتماعي» أو حتى عولمة أكل الخفافيش بدلاً عن الهامبرغر؛ الإنسان البسيط وبكل اختصار يريد فقط أن تنتهي هذه الأزمة دون أن يموت هو أو أحد أفراد أسرته ليذهب بعد أن يتناول وجبة إفطاره في المطعم الذي يحب إلى أحد البنوك ويقترض ما يساعده على السفر إلى الدولة التي يحب. لأن جل - إن لم يكن كل - التكهنات التي يسردها أصحاب الشأن استشرفت مستقبل كل الأشياء، إلا حقيقة مستقبل وأحلام الإنسان البسيط. Wamly2016 @