في الوقت الذي رحبت فيه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقبول كل من حكومة الوفاق الوطني و»الجيش الوطني الليبي» استئناف مباحثات وقف إطلاق النار والترتيبات الأمنية المرتبطة بها بناءً على مسودة الاتفاق التي عرضتها البعثة على الطرفين خلال محادثات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في 23 فبراير الماضي، تحاول فرنسا استعادة زمام المبادرة الدبلوماسية في ليبيا حيث تنخرط قوى إقليمية بشكل أكبر يوما بعد يوم، بينما تواجه اضمحلال نفوذها بعد اتهامها بدعم المشير خليفة حفتر، وفق ما يرى محللون.

ورغم نفيها لذلك علناً، يعتقد أن باريس تراهن على رجل شرق ليبيا القوي، بعد إطلاقه في أبريل 2019 هجوما على طرابلس، مقر حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، المدعومة من الأمم المتحدة.

التداخل المتزايد

أعرب وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان الأسبوع الماضي عن أسفه للتدخل المتزايد لموسكو وأنقرة في النزاع. وقال لو دريان: «لا يمكن أن نتخيل حالة مماثلة من المنازعات، شبيهة بـ(نموذج النزاع السوري)، على بعد 200 كيلومتر من السواحل الأوروبية»، متحدثاً عن وجود مرتزقة سوريين في كلا المعسكرين.

إيقاف النار

أجرى وزير الخارجية الفرنسي مشاورات مع السراج تناولت «ضرورة» إعادة فرض وقف إطلاق النار في ليبيا، ووقف «التدخلات الخارجية» في هذا البلد، خلال أول اتصال رسمي بين باريس وطرابلس منذ شهور.

موازنة علاقاتها

وقال الباحث في جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة جيمس دورسي: «سأكون حذراً للغاية بشأن فكرة عدول فرنسا عن دعم حفتر».

أضاف «من المنطقي جداً أن تواصل فرنسا دعم حفتر»، مشيرا على وجه الخصوص إلى أن هذا الدعم من شأنه الإسهام في الحد من كافة أشكال عمليات التهريب التي تغذي التنظيمات الجهادية في الساحل وبحيرة تشاد، الواقعة على الحدود الجنوبية لليبيا.

يشير آخرون إلى أن باريس يجب أن تقاتل من أجل ضمان استمرارها في التأثير على هذا الصراع الذي يفلت من يديها. وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، مشاورات مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، الذي تدعم بلاده حفتر، حول «تعزيز التنسيق بين البلدين» حول الملف الليبي.

خطر التهميش

يشير خبير في الملف الليبي من باريس إلى أن «الإشكالية تتحول إلى ملف إقليمي أكثر فأكثر، وهذا ما يثير القلق، لكنه يفتح في نفس الوقت المجال أمام طرح مبادرة سياسية».

أضاف «أن فرنسا قلقة للغاية. قد تصبح ليبيا مركزا جديدا للارهاب تحت مسمى الجهاد وهناك مصالح كبيرة على المحك».

ولا يتوقع باسكال أوسيور، مدير مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية، حدوث تحول فوري في الموقف الفرنسي. واعتبر أن أحد المخاوف في باريس تكمن في «تزايد تدخل الجهات الخارجية لدرجة التوقف عن طلب رأيها».

آمال البعثة

أكدت البعثة أن عودة الطرفين للحوار تمثل استجابة لرغبة ونداءات الأغلبية الساحقة من الليبيين الذين يتوقون للعودة للحياة الآمنة والكريمة بأسرع وقت ممكن، وتأمل البعثة أن ترافق استجابة الطرفين وقف الأعمال القتالية، والحد من التعبئة العامة وممارسة خطاب الكراهية بغية الوصول إلى حل يعيد للدولة مؤسساتها ومكانتها وللشعب ما يستحقه من استقرار ورفاه.

كما تأمل البعثة أن تستجيب جميع الأطراف، الليبية والدولية، لرغبة الليبيين في إنهاء القتال وأن يمثل استئناف محادثات اللجنة العسكرية بداية لتهدئة على الأرض وهدنة إنسانية لإتاحة الفرصة أمام التوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار، ولتمكين السلطات المختصة من تركيز جهودها على مواجهة تداعيات وخطر جائحة كورونا، علاوة على تسهيل الاستجابة للاحتياجات الإنسانية الملحة من قبل الجهات المحلية والدولية.