عندما نناقش موضوعا تنمويا حيويا يتعلق بمواردنا الوطنية سواء البشرية أو المادية، نتعرض له من منطلق الغيرة والولاء، لما نجده من تحديات تعطل الاستفادة منها تنموياً، وبما يعيق استثمارها إيجاباً للمصلحة الوطنية، ونستهدف بذلك تسليط الضوء على جانب مهم من تحدياتنا التنموية، للخروج بها من مأزقها المتجمد، وللحد من تناميها الذي يزيد من تفاقم المشكلة ويعقد معالجتها بالتقادم، في ظل غياب أي بادرة جادة تلوح في الأفق نحو تغيير واقعها الذي يتراكم مع السنوات ليصبح تحدياً حقيقياً يصعب تجاهله.

يتضمن تقرير الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، «واقع القوى العاملة الصحية السعودية خلال السنوات العشر القادمة، من 2018-2027»، وهو أحدث تقرير نشر على موقع الهيئة، ولأهمية بياناته ولما نشهده من الحاجة الُملحة لمساهمة المزيد من مخرجاتنا الصحية في تلبية متطلباتنا التنموية، ولأهمية معالجة قضية المخرجات الصحية وغيرها من القوى العاملة المعطلة؛ فإننا وبعد مناقشة سابقة لواقع القوى العاملة السعودية من أطباء، وما يعانيه عدد غير قليل منهم من البطالة لتعثر تمكينهم المهني، بسبب عدم تمكنهم من اجتياز اختبارات الهيئة أو لعدم قبولهم في المستشفيات المعتمدة للتخصص، فإننا سنتناول بعضاً مما تضمنه التقرير عن المخرجات الصحية الأخرى من غير أطباء الطب البشري.

تشير بيانات الهيئة إلى أن «عدد أطباء الأسنان» المصنفين على درجة «طبيب أسنان عام» -سعوديين وغير سعوديين من الذكور والإناث- بلغ 16123، منهم 9729 غير سعودي، و6349 سعوديا، وينخفض عدد السعوديين إلى 5287 بعد استبعاد المبتعثين والمقيدين في دراسات عليا، أما المتخصصون منهم في تخصصات دقيقة في الأسنان فقد بلغ عددهم 3116، منهم 1465 سعوديا، و1651 غير سعودي، وتوضح البيانات أن «عدد الباحثين عن عمل» من «حملة بكالوريوس طب أسنان» بلغ 951 طبيبا/‏ة، في حين بلغ عدد المتخصصين من الباحثين عن عمل 9 أطباء سعوديين، ويشمل ذلك مخرجات القطاعين العام والخاص.

وتسجل المخرجات الصحية من الصيادلة السعوديين، أعدادا أخرى تضيف إلى مخرجاتنا الصحية المعطلة رصيداً سلبياً موجعاً، إذ تشير البيانات في 2018 إلى أن عدد الصيادلة المصنفين من قبل الهيئة على درجة صيدلي «بكالوريوس صيدلة» من السعوديين وغير السعوديين بلغ، 29090 صيدليا/‏ة منهم 20817 غير سعودي، بينما ينخفض عدد السعوديين إلى 8273 صيدليا فقط، في حين يقدر إجمالي «عدد الباحثين عن عمل» من الصيادلة السعوديين من الجنسين من حملة مؤهل «بكالوريوس صيدلة» 907، بينما يبلغ عدد الباحثين عن عمل من «المتخصصين» منهم 22 صيدليا/‏ة !!. أما عدد الممرضين والمصنفين من قبل الهيئة على درجة «إخصائي» من السعوديين وغير السعوديين، من الذكور والإناث فقد بلغ، 30954 ممرضا/‏ة، منهم 17022 غير سعودي، و13862 سعوديا، في حين بلغ عدد الممرضين المصنفين على مؤهل «بكالوريوس تمريض» من غير السعوديين على درجة (فني أول-فني) 89599 ممرضا/‏ة غير سعودي!، ومن جانب آخر فقد بلغ «عدد الباحثين عن عمل» من «حملة مؤهل بكالوريوس تمريض»؛ 793 ممرضا/‏ة، بينما بلغ عدد الباحثين عن عمل من المتخصصين 8 من الممرضين.

وإذ تُعد مخرجات الكليات الطبية التطبيقية، من العلوم الصحية المساندة لجميع التخصصات الصحية، والتي تشمل: العلاج الطبيعي، التغذية السريرية، مختبرات طبية، تقنية الأشعة، بصريات، فقد بلغ إجمالي عدد الأخصائيين المصنفين من قبل الهيئة على «مؤهل البكالوريوس» من السعوديين وغير السعوديين، 26907، منهم 21159 سعوديا، و5748 غير سعودي، ولعل تلك الفئة هي الوحيدة التي يتفوق فيها عدد السعوديين على غير السعوديين.

ولكن ما تلبث أن تختفي غبطتنا عند متابعة نتائج «عدد الباحثين عن عمل» من حملة «البكالوريوس من مخرجات الكليات الطبية التطبيقية»، لنجد أن معظمهم لا يعمل، وقد تم رصد بياناتهم من الهيئة، وبالنسب المئوية لكل تخصص، إذ بلغت نسبة الذين لا يعملون في تخصص «العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل» 85 %، وترتفع النسبة إلى 89 % في تخصص التغذية السريرية، ونسبة 88 % في المختبرات الطبية، ونسبة 75 % في تخصص تقنية الأشعة، و82 % في تخصص البصريات!!

وكما يبدو أن مخرجاتنا الصحية وغيرها من المخرجات المعطلة؛ تحتاج لوقفة جادة وحازمة بهدف معالجة واقعها المهمش بمختلف سلبياته وواقعه المرير، وذلك يحتاج إلى استشعار بمسؤولية مجتمعية، تتطلب تعاونا بين القطاعات المعنية بتلك المخرجات -دون مكابرة-، لمعالجة ما تواجهه من تحديات تحول دون تمكينها، وتعيق إمكانية الاستفادة من استثمارنا فيها، وذلك يتطلب مواجهتها بشفافية عالية ومصداقية تمكننا من حلها جذرياً بمعالجة أسبابها لتغيير واقعها.

إن استمرار تجاهلنا لطبيعة إشكالاتنا وبما تواجهه من عقبات، وما تحتاجه من مراجعة لسياسات مؤسسية لا زالت قاصرة عن إصلاح واقعها، رغم استمرار مسبباتها القائمة؛ سيعيق تحقيقنا لمستهدفاتنا الوطنية بمختلف مساراتها، وسيزيد من حجم تحدياتنا بشأن نمو البطالة بين المواطنين، وارتفاع نسبة العمالة الوافدة، وغيرها، وما ينجم عن ذلك من إشكالات اجتماعية وأمنية وصحية، ما زلنا نعيش سلبياتها وندفع ثمن إخفاقاتها رغم وجود جهود تُبذل وأموال تُنفق.