يكثر النقاش حول أهمية وضع قانون مدني سعودي يتحاكم الناس إليه في مصالحهم ويكون معلوما مؤصلا ومنظما، فتتضاءل بذلك مساحة الاجتهادات الشخصية.

البعض من الشرعيين لا يقبل هذا الطرح ظنا منه بأن القانون الوضعي هو بالضرورة ضد الشريعة الإسلامية ومخالف لها، وهذا في الواقع أمر لا صحة له، بل إن من أساسيات وضع القانون المدني في أي دولة هو أن يستند إلى ما يصون للمجتمع كينونته وأمنه وطبيعته، ولا يمكن بأي حال إقصاء الدين عند وضع القانون. كما أن القانون لا يتماس مع الدين ولا يعد بديلا له.

القانون هو أداة تنظيمية يتم من خلالها وضع قواعد لضبط سلوك الأفراد أو الكيانات. ومصطلح (قانون وضعي) يعني أن تضعه الدولة وفق ما تراه مناسبا لمجتمعها وبما لا يتعارض مع الثوابت الشرعية أو المصلحة العامة.

وبالنظر لقوانين كثيرة في المملكة فإننا نجدها قوانين وضعية فرضتها طبيعة العصر ومتغيرات الحياة، ومنها على سبيل المثال قوانين المرور والشركات والصحة والرياضة والثقافة، حيث يعود القضاة والمحامون لحل النزاعات في كل هذه المجالات للوائح وأنظمة سنتها الدولة بما يحقق المصلحة ويحمي الحقوق دون مساس بالدين الإسلامي أو معارضته. ومن هنا فإن وضع القوانين المدنية في ما يتعلق بالأحوال الشخصية أو قانون جنائي أو غيرها، سيكون لأهداف تنظيمية، مما يعلي شأن العدالة ويحول القضاء من عمل شرعي ديني إلى عمل علمي مدني له قواعد وأصول تطبق بالتساوي على الجميع. وسينعكس هذا بشكل مباشر على آليات التقاضي ونظام المحاكم ونوعية العلوم القانونية التي يتم تدريسها والمجالات التي يستقطب الدارسون فيها.

وأخيرا فإننا نتفهم أن عددا كبيرا من معارضي القانون الوضعي هم أسرى لفكرة سياسية قديمة تقول إن القوانين جاء بها الاستعمار، وإنه كان وسيلة لمحاربة الدين وتغريب المجتمع، وقد تبنى هذه الفكرة العلامة السنهوري الذي دعا إلى مصرنة الدستور لحماية القومية، ومع ذلك فالسنهوري يؤخذ منه ويرد. وإنني أدعو إلى الواقعية، فالإنسان عرف القانون قبل الإسلام وبعده، والإسلام وضع قواعد عامة، لكنه كشريعة دينية لم يذكر تفاصيل لكل شيء في حياتنا المعاصرة، بيد أنه لم يحرم علينا أن نسعى إلى تنظيم شؤوننا، ويذكر في الحديث الصحيح قول النبي صلوات الله وسلامه عليه (أنتم أعلم بأمر دنياكم).