حالة الإرباك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي التي تعيشها العاصمة السورية دمشق، تشبه بالشكل والصورة التوتر الذي يعيشه الشارع اللبناني منذ أيام، وفي طهران التي تعاني تغييبا إعلاميا.

في سورية يجتهد إعلام نظامها في محاولة تقزيم ما يمكن أن ينتج من تبعات لقانون قيصر، وتصوير أنه إرهاب أمريكي.

وفي لبنان خطط صرف النظر سيدة المشهد، إذ يبرز على السطح ملف تهريب مادة البنزين من لبنان عبر أذرعة ميليشيا حزب الله، ومن خلال معابر غير شرعية، ليستقبلها «حيتان» الاقتصاد السوري، وجنرالات الجيش، بالإضافة إلى هبوط الليرة اللبنانية مقابل الدولار.

في طهران التهديدات من انسحابها من ملف التفاوض النووي حاضرة، بالإضافة إلى حراك وزير خارجيتها الدبلوماسي، الذي طار من بلاده نحو أنقرة ومنها إلى موسكو، لجلب أكبر قدر من الاستهجان والاستنكار. يتزامن ذلك الحراك مع تخبط سياسي شهدته أنقرة، التي بلغت أقصى أنواع الصفاقة والتناقضات السياسية. تنكر تركيا على لسان وزير خارجيتها وترفض تطبيق مزيد من العقوبات على إيران، وفي الوقت ذاته تؤيد العقوبات ضد نظام دمشق.! الحديث عن تلك التناقضات «الإردوغانية» بات مملّاً أكثر من غيره.

لكن حالة الإرباك التي يعيشها «محور المقاومة» هي الأبرز في لبنان، فالحالة الساخنة هناك هي المؤشر على ما تعانيه العواصم الأخرى. أتفهم أن الوتيرة المشتعلة في لبنان هي ترجمة لدور الرئيس المُغيب. فدور رئيس الجمهورية يجب أن يتمحور حول إيجاد مشروع يواجه السلاح السائب بيد ميليشيا حزب الله. وجود ذلك السلاح بيد الميليشيا ودخولها الحرب في سورية والعراق واليمن على أساسٍ طائفي سيؤدي لا محالة إلى توريط الدولة في لبنان وليس توريط حزب بعينه. لكني أدرك في الوقت ذاته أن على الجنرال ميشال عون السكوت عن ملف سلاح ميليشيا حزب الله، باعتباره كان ثمناً لدخوله القصر الرئاسي في بعبدا، والضمانة الوحيدة التي أوصلته لسدة الحكم، بعد أن كان منفيّاً في فرنسا، في أعقاب أن أجبره النظام السوري على الهروب، واندفع لتسليم نفسه للسفارة الفرنسية في بيروت، ومكث فيها أكثر من 11 شهرا، قبل مغادرته إلى باريس، التي أمضى بها قرابة 15 عاما.

وفي الوقت ذاته، من المفترض أن يجد المراقب للمشهد السياسي في لبنان، في تسريب حديث لسعد الحريري رئيس الوزراء السابق الغائب عن المشهد السياسي في لبنان، في دردشة أواخر شهر رمضان مع بعض الأصدقاء، إشارات ودلالات لتنفيذ قانون قيصر. يقول إنه «عجز عن إقفال الحدود بسبب مصالح موجودة على الحدود بين السوريين، ومن يعمل معهم في لبنان. هم أكبر مني والكل يعرفهم جيدا». توقيت حديث الحريري «المُسرّب» ليس اعتباطيا بقدر ما هو محاولة لاستباق أي لوم قد يوجه لحكومته نظير عدم قدرتها على إقفال الحدود مع سورية. عجز الحريري بالنسبة لكثيرين مفهوم، ووجود أكبر منه في زعمي واضح. يقصد الرجل من قتلوا والده عام 2005 في وضح النهار وعلى مرأى العالم بأسره، ويخشى الاقتصاص منه على أيديهم حال مواجهتهم.

لكن ما قانون قيصر، ومن هو قيصر؟ هو قانون صادق عليه الرئيس الأمريكي بعد أن أقره مجلس النواب الأمريكي بالإجماع في 22 يناير 2019، يستهدف فرض عقوبات على النظام السوري ومن يُمده في مجال الهندسة، والطاقة، والأعمال، والنقل الجوي. ويشتمل القرار على فرض عقوبات تستهدف من يمول دمشق بالطائرات أو قطع غيارها، في استهداف لروسيا، ومن يشارك في مشاريع البناء والهندسة التي تسيطر عليها الحكومة السورية. وقيصر هو منشق سوري عن الشرطة العسكرية، سرب أكثر من 55 ألف صورة للمُعذبين في سجون النظام السوري، بينهم آلاف من النساء والأطفال وكبار السن، العديد منهم عمدت أجهزة النظام السوري لتعذيبه حتى الموت.

يتضح أن النظام السوري ومن يدور في فلكه باتوا يخشون لعنة الفرد. يستميت في تحوير مفاد الصورة، التي وضعت جنديا صغيرا في صفوف جيشه الجرار، مقابل نظام يعتمد لغة البطش والسلاح منذ عهد والده. بدت الدولة صغيرة فارغة من محتواها، مقابل ذلك الجندي الذي انتصر للعدالة أمام العالم بأسره. في نظري لا يمكن التوقف عند عقوبات تطال دولا أو كيانات بعينها، فالحيل التي يعتمدها ذلك المحور مكشوفة، أبرزها دخول ساحات القتال عبر ميليشيات وتجمعات صغيرة ومتوسطة للقتال نيابة عنه. يجب أن يطال قانون قيصر كل من تورط في الحرب والاقتتال الدائر والذي انحرفت بوصلته من ثورة شعب ضد نظام حكم جائر، إلى حرب طائفية بامتياز. وضع الجميع في سلة واحدة يخدم القضية أكبر، والاقتصاص منهم هو الحل، وإلا سيموت طائفي في لبنان، ويولد آخر في بغداد، وتعاد الكرة.

ما يمكن استفادته من هذه الحالة المتوترة لما يُزعم بـ«محور المقاومة» هي مدى هشاشته، واعتماده على الشعارات الرنانة المزيفة. آن لمؤيدي هذا المحور اكتشاف الحقيقة، فالمؤيدون أو القواعد الشعبية لذلك المحور لا يختلفون عن من يُزج بهم في ساحات القتال، جميعهم مطايا وأدوات مع اختلاف المهمة ووقت تنفيذها. ليتهم يعقلون.