تبدو رغبة الإنسان في أن يكون متميزاً عن غيره متأصلة ومتجذرة وقديمة للغاية، ولذا عرف الوشم، كفن قديم، منذ بداية العصر الحجري (12.500 قبل الميلاد)، وكان الغرض منه أن يصبح الإنسان شخصية مركزية ومحطاً للأنظار، حيث يبدو الهدف الأول منه شد الانتباه، أو الارتباط بالخرافات والتعاويذ الباطلة، حيث اعتقد كثيرون أنه نوع من أنواع الشفاء للأمراض، وأنه يدفع العين والحسد، وأحياناً كانوا يعتقدون أن ذلك نوع من فداء النفس بتعريض الجسم للعذاب حتى يكتسب من خلال ذلك مناعة تجلب له الخير.

والوشم، رسم ينفذ عبر طبقات جلد الإنسان، وغالباً ما يكون على المناطق المكشوفة من أنحاء الجسم ولا سيما الوجه، وتستعمل فيه مواد ملونة وأدوات ثاقبة للجلد، وقد عرف حديثا باسم «التاتو»، وهو عبارة عن مكياج دائم يتم عمله من خلال مادة صبغية تبقى لسنوات مثله مثل الوشم قديماً، والفرق بينهما أن الوشم يصل إلى الطبقة السابعة من الجلد أما التاتو فيصل للطبقة الثالثة منه.

التعريف

الوشم شكل من أشكال التعديل الجسدي، يتم بوضع علامة ثابتة في الجسم، وذلك بغرز الجلد بالإبرة ثم وضع الصبغ عن طريق هذه الفتحات والجروح ليبقى داخل الجلد ولا يزول.

وقد شاع عند الحيوان أكثر، حيث استخدم لأغراض تحديد الهوية أو المالك للحيوان.

وهو موجود منذ قرون في جميع أنحاء العالم، فقد كان الآينو، وهم السكان الأصليون لليابان، يقومون بوشم الوجوه كنوع من العادات والتقاليد. وهو متداول حاليا عند الأمازيغ (شمال إفريقيا)، وعند الماوري في نيوزلندا، والهوسا في شمال نيجيريا، والعرب في شرق تركيا، والبدو في سورية، والأتايال في تايوان مع وشم الوجه.

وكان الوشم موجودا على نطاق واسع عند الشعوب البولينيزية، وعند مجموعات قبلية معينة في تايوان والفلبين وبورنيو وجزر مينتاواي وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وأمريكا الوسطى وأوروبا واليابان وكمبوديا ونيوزيلندا ومايكرونيزيا.

تحريم

حرمت الديانات السماوية الثلاث الوشم، وحذر الطب من أضراره، وتحول اليوم إلى موضة، ويذكر المؤرخون أن البشر رسموا على جدران الكهوف منذ آلاف السنين، قبل أن يرسموا على أجسادهم، حيث عثر على ما يشبه الأوشام على أجساد المومياوات القديمة أشهرها مومياء «أوتزي» الملقب برجل الثلج الأوروبي الذي توفي 3400 قبل الميلاد، وحمل الرقم القياسي لأقدم وشم، وذلك لامتلاكه 61 وشماً على جميع أنحاء جسده.

ظاهرة قديمة

أوضح استشاري الطب النفسي بمجمع إدارة الطبي النفسي بنجران الدكتور محمد عبدالحميد أن الوشم يعد من «أقدم الظواهر في تاريخ البشرية، وبدأ من خلال تعرّف البشر على وجود الألوان والأصباغ وإمكانية استخدامها على الوجه والجسد بشكل مؤقت لإضفاء مظاهر معينة، كالقوة والشراسة للمحاربين، أو كجزء من طقوس خاصة بالعبادة أو المناسبات الاجتماعية. ثم تطورت هذه الظاهرة من خلال اكتشاف إمكانية إدخال بعض الأصباغ التي تتسم بالثبات والدوام إلى الطبقات العميقة من الجلد وبذلك يمكن تلوينه ورسم أشكال محددة تظل باقية وظاهرة من خلالها مدى العمر».

زينة النساء

كشف عبدالحميد أنه «نتيجة لهذا الاكتشاف استخدم الوشم لأغراض جديدة في ذلك الوقت، منها التزيين والتجميل للنساء، وإثبات الانتماء لجماعات عرقية أو إثنية أو دينية معينة، ووسم العبيد أو الهاربين من الجيش لتسهيل التعرف عليهم، وتسجيل المرور بأحداث معينة مثل دخول السجن أو الانتماء لسلاح معين في الجيوش المختلفة وخصوصاً الغربية منها، وكذلك ببساطة كتابة اسم المحبوب أو صورته توثيقاً للعاطفة وتأكيداً على ديمومة العلاقة».

ويضيف «في العصر الحديث وخصوصاً مع التقدم العلمي والتقني الكبير اكتشف مزيد من الأصباغ والألوان، وتم تطوير طريقة تنفيذ الوشم والاستغناء عن استخدام الإبر القادرة على نقل العدوى وإحداث كثير من الألم، وأصبح من الممكن تنفيذ الوشم في صورة رسومات وتشكيلات في غاية التعقيد والحرفية من حيث التفاصيل والألوان، وبدأ من بعدها الانتشار الكبير والمتزايد لظاهرة الوشم بين الشباب والشابات من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية والثقافية».

موضة المشاهير

يقول عبدالحميد «انتشرت ظاهرة الوشم بين الشباب هذه الأيام بعدما تبناه مشاهير في شتى المجالات مثل المغنين، والممثلين، والرياضيين وغيرهم، حيث عدوا الوشم فرصة للتعبير عن الاختلاف عن الغير والاستقلالية عن الأهل والحرية في التعامل مع الجسد وأحياناً التمرد على المجتمع، والثورة الرقمية الحالية ساهمت في نقل كثير مما يدور في بلدان العالم إلى بلدان أخرى، بل وجعلته مقبولا على الرغم من اختلاف الثقافة والعادات».

شخصية هستيرية

يضيف عبدالحميد «عند تعرض علم النفس والطب النفسي لمسألة الوشم، وعلى الأخص حال تجاوزها للحد ووصولها حيز المبالغة وإثارة التساؤلات أو الاستنكار، يؤخذ في الحسبان طبيعة شخصية صاحب الوشم، فقد يميل أصحاب الشخصية الهستيرية مثلاً للمبالغة في وضع الوشم بألوان بارزة ورسومات على أماكن ظاهرة من الجسد، بينما قد يلجأ أصحاب وصاحبات الشخصية الحدية أو البينية إلى وضع أوشام تعبر عن التمرد أو الغضب أو إظهار موقف معين من المجتمع أو الحياة أو قسم معين من المجتمع كالرجال أو الآباء وغيرهم».

ويكمل «يمكننا القول إن ظاهرة الوشم ظاهرة موغلة في القدم، اكتسبت صفة الجدة والشعبية بين الشباب والشابات في العصر الحديث، وهي تعبر في أحيان كثيرة عن رغبة الأجيال الجديدة في التغيير وتأثير الدعاية والإعلام والمشاهير ومواقع التواصل الاجتماعي على هذه الفئة، وكما أن هذه الظاهرة في أغلب الأحيان لا تعني وجود مرض أو علة نفسية معينة، فإنها في أحيان أخرى تكون ناتجاً ثانوياً أو مظهراً من مظاهر المرض النفسي».

نساء واشمات

تقول نور حسين، وهي امرأة في الستين من عمرها من نجران «إنها وضعت الوشم على وجهها وهي في عمر 13 ولم يكن إجباراً من أحد بل ذهبت بنفسها مع صديقتها لامرأة من اليمن تضع الوشم للنساء لغرض الزينة، وعلى الأغلب كان النقش موحداً يمتد من تحت الأنف إلى آخر الذقن، أو من تحت الشفة إلى آخر الذقن، إضافة إلى وضع ثلاث نقاط على الجانبين، والوشم يكون اختياريا من قبل الفتاة نفسها، ولم يكن يقتصر على المتزوجات».

وتضيف سميحة محمد في العشرين من عمرها «وضعت الوشم اتباعاً للموضة مثل باقي فتيات جيلي.. بدأت بوضع اسمي باللغة الإنجليزية على ظهر كفي لينتهي بي الأمر إلى كتابة عبارات ورسومات أعجبت بها حول ذراعي وكتفي وخلف أذني».

الوشم

شكل من أشكال التعديل الجسدي

يغرز الجلد بالإبرة ثم وضع الصبغ

محرم في الأديان السماوية الثلاثة

يتم بوضع

علامة ثابتة في الجسم

شاع عند الحيوان أكثر لتحديد مالكه

المشاهير روجوا له وحولوه إلى موضة