في عقود الزواج الإلكترونية التي استحدثتها وزارة العدل ضمن خططها التطويرية لهذا المرفق الذي يهم كل إنسان، صارت هناك خانتان رئيسيتان متعلقتان بالمهر: «قيمة» و«عين»، وكل خانة تحتها 3 خانات فرعية: «مقبوض»، و«مؤخر»، و«مؤجل»، ولضرورة التثقيف والتوعية بالحال الجديدة لعقود الزواج، أذكر أن إدخال بينات المهر صارت لازمة، وتأكد عدم كتابة عبارة «المتفق عليه»، وصارت تعبئة الخانات المتعلقة بالقيمة واجبا، والخيار مفتوح في جعل ذلك بأي عملة مالية، وكذلك في جعله «مقبوضا»، أو «مؤخرا» تستحقه الزوجة عرفا بالفراق أو الوفاة، أو «مؤجلا» إلى تاريخ أو حال محددة بين الطرفين.

أما الخيارات في كتابة وتسجيل المهر «العيني» فمفتوحة، ويدخل فيه غير النقد المعروف، كالمجوهرات والعقار ونحو ذلك، والتقييد مهم للمستقبل، وما تخبئه الأقدار.

«الصداق» أو «النِّحلة»، ويسمى «المهر»، في حقيقته تعبير ورمز للرغبة والحب والمودة من الزوج لزوجته، وليس ثمنًا أو أجرة أو مقابلًا ماديًّا لمشروع الزواج والميثاق الغليظ، الذي لا يقوم إلا بالأحاسيس والمشاعر.

ومن هنا، لم يضع الإسلام له مقدارًا محددًا، وإن كان بعض الأئمة يختلفون في أقله هل هو دينار أي 10 دراهم من ذهب، يما يزن اليوم 4.25 جم، أو ربع دينار، فإن الصحيح هو ما ذهب إليه «الشافعية» و«الحنابلة» بأنه لا حدَّ لأقله، والإسلام حرص على تيسيره.

قال صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ -الزواج- بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً»، و«خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرَهُ»، و«خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا».

وحينما جاء إليه شاب، صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قائلا: «تزوجت علي مئة وستون درهما، استكثرها صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال له: «كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَل، مَا عَنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَي أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْه».

من المسائل الفقهية الدقيقة المتعلقة بالمهر، أن تجهيز البيت من فرش ومتاع وأدوات وملابس، واجبٌ على الزوج، ويعدّ ملكاً له باتفاق الفقهاء، كما أن على الزوجة أداء فريضة الزكاة في المهر غير المقبوض، إن بلغ قيمةً ومدة، وتعامله في ذلك معاملة الديون المستحقة التي لها، على تفصيلاتها المذهبية، التي يلزمها أن تسأل عنها، عند قيضها له، وأن الأصل في وليمة النكاح أنها على الزوج، كما أن المهر حق خالص للزوجة، وليس عليها أو على وليّها المشاركة أو الإعداد في بيت الزوجية، إلا إن أرادت، ولها أن تكتبه باسمها، وتفرّدَ «المالكية» بأن عليها أن تتجهز لزوجها بما جرت به العادة في جهاز مثلها لمثله، بما قبضته من المهر قبل زفافها إليه، فإن زفت قبل القبض، فلا يلزمها التجهيز إلا إذا قضى به شرط أو عُرف.

أختم بأن التعاون والتآزر في أمور الزواج أمر محمود، وإثقال الكواهل مذموم، وتقدير أعراف الناس وعاداتهم المتغيرة مقبول، ولا بأس في ذلك ولا مانع من أن يشترك الزوج والزوجة أو وليّها في وليمة الزواج، أو أن تقوم هي أو وليّها بها، ولا بأس كذلك من اعتبار تجهيز الزوج للبيت جزءا من المهر أو بديلا عنه؛ فالعُرف مصدر من مصادر التشريع في الفقه الإسلامي، وبالبركة على الجميع.