يعيش بيننا من الإخوة والأصدقاء الوافدين إلى بلادنا بهدف مساعدتنا على أمور حياتنا المختلفة 8.43 ملايين نسمة وفق الكتاب الإحصائي لعام 2010 ويمثلون 31% من عدد السكان. هؤلاء منهم المسلمون ومنهم غير المسلمين وقد يكون منهم الأميون. وهنا أضع أمام أبناء المملكة هذا الوطن الكريم الذين عرفوا بسمو عقيدتهم ومثلهم وقيمهم وأخلاقهم قضيةً لم نفكر فيها بعمق وأدعو إلى التفكير فيها لإيماني أنها تستحق التفكير وتستحق أن تحظى منا بالاهتمام والمبادرة. الفئات الثلاث التي يتكون منها الوافدون (المسلمون وغير المسلمين وإن كان هناك أميون) تتطلب منا أفراداً وعائلات ومؤسسات الارتقاء بمستوى معرفتهم لديننا ولغتنا.. وهنا تفصيل لا بد منه..
أولاً: قضية غير المسلمين قد يكون من الأولى أن يتولاها متخصصون في الدعوة لأنها تحتاج إلى إقناع، لكن ذلك لا يمنع من محاولة الأفراد والعائلات من دعوة من يعملون معهم إلى إهدائهم أفضل ما يملكون: "دعوتهم لدينهم الإسلامي"، الدين الصحيح الذي نسخ كل ما قبله من الديانات وأتى به آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
وثانياً: أمر الأمية بين من يعملون معنا وإن كانت قليلة فهي مسؤولية من يعملون معهم، إن كانت موجودة.
والأمر الثالث: وهو الأهم الذي من أجله أكتب هذا المقال هو من يعمل معنا من المسلمين الوافدين إلينا.. هؤلاء، إن كنتم قد لاحظتم أن بعضهم ـ إن لم يكن أغلبهم ـ لا يجيدون الوضوء ابتداء وقراءة الفاتحة، ولا قراءة القرآن كما ينبغي ولا الصلاة.. ومنهم من يجهل أركانها وواجباتها. وأنا هنا أسأل: كم منا خصص وقتاً للسائق أو العامل.. وكم من العائلات خصصت من وقتها للعاملات معها لمعرفة كيف يتوضأن وكيف يقرأن القرآن وكيف يصلين؟
هذا الأمر فيه جانبان مهمان للغاية.. الأول أننا نقوم بواجبنا الديني تجاه هؤلاء الذين منَّ الله عليهم بزيارة بلد الحرمين، وهي فرصة عمرهم ليعيشوا بين مواطني أطهر بقاع الأرض، ومنَّ الله علينا بفرصة منحنا الله إياها في طريق الخير والأجر. تحل بنا البركة والخير العميم بفضل العمل العظيم الذي نقوم به إن نحن هببنا جميعاً بفضل ذلك ونجحنا فيه.
الأمر الثاني: تصوروا حال الملايين الذين أتوا إلى بلادنا في حال عودتهم إلى بلدانهم بحال أفضل، يحسنون الاستعداد للعبادة ويحسنون العبادة نفسها من صلاة وصيام ويحسنون قراءة القرآن.. كيف سيكون وقع ذلك على أهلهم ومواطني بلدانهم؟ ثم تصوروا حجم المواقف الإيجابية ومستواها الذي يتشكل عن بلادنا وأهلها.. ليس هذا فحسب بل إنهم بدورهم سيقومون بنشر كل ما تعلموه عندما كانوا بين ظهرانينا إلى من يلتقون من أهل وأقارب وأصدقاء.. وتصبح سلسلة لا تنقطع من جانبنا إذا نحن استمررنا في هذا العمل مع كل قادم جديد لتصل الأعداد إلى عشرات الملايين على مر الزمن، وينقلوا ما علمناهم إلى عشرات الملايين في البلدان التي يعودون إليها أولئك الذين نعلمهم.. إنه خير عميم سيبارك الله فيه لأنه أولاً يتعلق بالدين، ولأنه ثانياً ينطلق من نوايا حسنة.. وكل عمل ينطلق من نوايا حسنة هو عمل مبارك فيه.. قد يسأل البعض كيف يمكن تنفيذ ذلك بدون تعب أو إرهاق؟ والجواب هو التالي:
نحن بحمد الله ومنته في هذه البلاد نتمتع بمنازل لا توجد فيها أمية.. أو قل إن كل منزل يوجد به أفراد لديهم مستوى دراسي يمكنهم من تعليم الاستعداد للصلاة وكيفيتها وتعليم قراءة الفاتحة وبعض سور القرآن الكريم.. هؤلاء يخصصون دقائق معدودة في اليوم أو بضع مرات في الأسبوع لهذا الغرض، مع السائق للرجال ومع العاملات في المنازل بالنسبة للنساء، ويعلم الجميع أن الله سيوفقهم ويبارك لهم في وقتهم.. والمؤسسات والشركات التي لديها أعداد من العمالة يمكن تخصيص ساعة في يوم الإجازة يُجلب لهم من يعلمهم هذه الأمور، ولو أدى الأمر إلى أن يدفع لهذا المعلم. ولو أنني واثق أنهم سيجدون من يحتسب لكنني لا أرى أن يبقى الأمر متوقفا على الاحتساب، بل إن من دواعي التنظيم والاستمرار أن يتم التعاقد لهذه الغاية ضمانا لعملية الاستمرار، وأظن أن هذا أفضل الصدقات، وأفضل أنواع الاحتساب.. فكروا معي ملياً في الأمر.. نحن في بلاد الحرمين ومنبع الرسالة ومهبط الوحي.. فهل يليق بنا أن يبقى بين ظهرانينا من لا يحسن الوضوء والصلاة وقراءة القرآن؟ وهل يليق بنا أن يبقى الوافدون بيننا سنوات ثم يعودوا إلى بلادهم كما جاؤوا لا يحسنون أمور دينهم؟ أقول لا يليق، ولا أعرف الفتوى في ذلك إن كان يتوقف على هذا الأمر حساب وسؤال يوم الحساب والسؤال.. وجود الوافدين بيننا خير أتاحه الله لنا إن عرفنا كيف نستثمره.
خلاصة القول: أننا نعيش قضية لم نتنبه لها ونعطيها حقها من الاهتمام والجهد والوقت. إنها قضية ملايين الوافدين في بلادنا الذين يأتون ويقضون سنوات بيننا ثم يعودون كما أتوا (أو معظمهم) لا يحسنون أمور دينهم وتحديداً الوضوء والصلاة وقراءة الفاتحة والقرآن.
لا أعرف العدد لكنني متأكد من وجود أعداد كبيرة من العاملات والسائقين والعاملين المسلمين الذين يحتاجون إلينا في تعليمهم أساسيات أمور الدين.. هذا التعليم لا يتوقف عندهم بل سيمتد إلى أن يعلموه للآخرين من مواطنيهم بعد عودتهم، لتعم الفائدة وتكسب بلادنا مواقف إيجابية على مستوى العالم. والثمن يسير، بضع دقائق كل يوم.. ويعم الخير علينا وعلى الآخرين. نحن أحياناً أو غالباً ما نصرف الكثير من الوقت في الترويح عن أنفسنا، ولو استقطعنا جزءاً يسيراً من هذا الوقت وصرفناه في تعليم الوافدين في منازلنا لاستطعنا معالجة هذه القضية. ولو خصص أصحاب المؤسسات والشركات جزءاً قليلاً جداً من أرباحهم واستقطعوا جزءاً يسيراً من وقت عمل العاملين لديهم لنجحوا في معالجة هذا الأمر. وتعرفون جميعاً خيره وبركته علينا أفراداً، ويعرف أصحاب المؤسسات والشركات عائده عليهم. إنه توفيق لمن وفقه الله إليه.